عمان - تامر الصمادي

من داخل مهجع صغير في سجن laquo;الموقرraquo; الصحراوي جنوب العاصمة عمان، يعكف الداعية الأردني من أصل فلسطيني، عمر محمود عثمان، المعروف بـ laquo;أبو قتادةraquo;، بعد أن رحّلته السلطات البريطانية إلى الأردن، على ترتيب أوراق التيار السلفي الجهادي في البلاد، إثر تسلمه الراية من المرجع الروحي لجهاديي الأردن والعالم، عصام البرقاوي، المعروف بـ laquo;أبو محمد المقدسيraquo;، والمعتقل لدى السلطات الأردنية منذ سنوات عدة بتهم تتعلق بـ laquo;الإرهابraquo;.

وتبدو سيطرة laquo;أبو قتادةraquo; على مفاتيح التيار المنشغلة في ساحات القتال السورية، أمراً غير سهل، لا سيما بعد تمرد الكثير من الشيوخ الشباب عليه، وهم المحسوبون على جناح الأردني أحمد نزال الخلايلة، المعروف بـ laquo;أبو مصعب الزرقاويraquo;، الذي تزعم تنظيم laquo;القاعدةraquo; في العراق وقضى في غارة أميركية عام 2006.

وعلى رغم هذا التمرد، بدا laquo;أبو قتادةraquo; خلال الأيام الفائتة، أكثر نشاطاً على صعيد التواصل مع المجموعات السلفية الموجودة على الأرض الأردنية وتلك المقاتلة في سورية، لا بل إنه أصدر قرارات تنظيميه، قال سلفيون جهاديون لـ laquo;الحياةraquo; إنها تمثل laquo;توجيهات ملزمةraquo;.

وبدأ الاشتباك مبكراً بين laquo;أبو قتادةraquo; وإخوان الزرقاوي القتيل، إثر انحياز عثمان إلى رسالة نادرة سجلت بصوت زعيم laquo;القاعدةraquo;، أيمن الظواهري، أخيراً، أعلن خلالها إلغاء ضم الشام إلى دولة العراق الإسلامية، مؤكداً بقاء laquo;النصرةraquo; على الأرض السورية باعتبارها ذراع القاعدة الوحيدة هناك.

أتباع الزرقاوي في الأردن، تمردوا على laquo;أبو قتادةraquo; عبر رسائل عدة وصلت laquo;الحياةraquo; وتأكدت من صدقيتها، مؤكدين مبايعتهم الدولة في سورية.

كما هاجم هؤلاء المقدسي، الذي طالما وصف بأنه بالمرشد الروحي لتنظيم الجهاد الأردني، قبل أن يرحّل laquo;أبو قتادةraquo; إلى الأردن.

وجاء هذا الهجوم، بعد أن تبنى المقدسي هو الآخر - وفق قريبين منه - رسالة الظواهري، ودعا أنصاره إلى اللحاق بجبهة النصرة.

وحصلت laquo;الحياةraquo; على رسالة مهمة بعث بها laquo;أبو قتادةraquo; من سجنه إلى الفصائل السلفية المقاتلة داخل سورية، تضمنت نقداً خفياً لدولة العراق والشام.

وجاء في هذه الرسالة laquo;إن جهادكم في بلاد الشام ملك للأمة لا ملككم، وكل يوم يتأخر الإخوة في حل خلافاتهم يعني مزيداً من الإثم، وكل دم سيراق اليوم أو غداً إنما هو من آثار الافتراقraquo;.

وجاء فيها أيضاً laquo;أحذر إخواني المجاهدين من قادة وجنود من الاستماع الى ما يصدره البعض من فتاوى عن بعد، يكتبها مبتدئون من طلبة العلم... عليكم تكوين نخبة شرعية محكمة يكون فيها أهل العلم على الوجه الصحيح، ويعطى هؤلاء الصلاحية التامة بإصدار قرارات ملزمة للجميع...raquo;.

وقال laquo;أبو قتادةraquo; الذي كان يصنف أنه الذراع اليمنى لأسامة بن لادن في أوروبا: laquo;من نافلة القول تذكير إخواني أن الإمرة اليوم هي إمرة جهاد، والطوائف إلى الآن طوائف جهاد، فليس هناك أمير ممكن أن يعامل معاملة الخليفة أو ما أشبهه من الأسماء والألقاب، ومن لم يبصر هذا كان فساده أشدraquo;.

واستطرد بالقول إن الإثم العظيم في دين الله laquo;أن يقاتل أهل الإسلام بعضهم بعضاً من أجل أمراء أو أسماء تنظيمات وضعها الناس، ولم يكتسبوا حكماً إلا بوضع بشري فقطraquo;.

وبدا أن laquo;أبو قتادةraquo; يوجه عبر رسالته سهام النقد إلى أبو بكر البغدادي، أمير الدولة، إثر مطالبته قادة الجبهة مبايعته أميراً.

وتصاعد الخلاف بين الدولة والجبهة، عندما دخل البغدادي مطلع العام الجاري على خط الثورة السورية، معلناً ضم الشام إلى العراق في دولته، وداعياً أمير الجبهة أبو محمد الجولاني للانضمام إليه.

وتسببت هذه الخطوة بزعزعة المشهد داخل جبهة النصرة، إذ انتقلت قيادات وعناصر كثيرة من صفوفها إلى صفوف الدولة الإسلامية وبايعت البغدادي.

وظهر زعيم تنظيم laquo;القاعدةraquo; في رسالة صوتية أعلن فيها إلغاء ضم الشام إلى دولة العراق، وأكد بقاء النصرة في سورية باعتبارها ذراع القاعدة هناك.

لكن البغدادي رفض في شكل صريح خطاب الظواهري، ليؤكد عملياً ما اعتبره خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية انشقاق الدولة عن تنظيم laquo;القاعدةraquo;.

وزاد من هذا الاعتقاد، ما وصف بـ laquo;حرب الرسائلraquo; بين قياداتها ومنظّريها، فضلاً عن التعليقات الصاخبة على المواقع الجهادية والمدونات الخاصة بأعضاء التيار.

وما زاد الطين بلة، تلك الرسالة التي أصدرها عمر مهدي زيدان، أحد أبرز زعماء السلفية الجهادية في مدينة إربد، ثاني أكبر مدن المملكة الأقرب إلى سورية، والتي انتقد خلالها laquo;أبو قتادةraquo; والمقدسي معاً، كما دعا فيها زعيم تنظيم laquo;القاعدةraquo;، على نحو غريب، إلى مبايعة البغدادي أميراً على الدولة الإسلامية.

وقال زيدان في الرسالة التي وصلت laquo;الحياةraquo; نسخة منها وتأكدت من صحتها: laquo;لقد اطلعت على رسالة مسربة للشيخ أبو قتادة يتكلم فيها عن الخلاف الحاصل في بلاد الشام بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، فألفيته بعيداً من الواقع، بل فيه غمز ولمز بالدولة الإسلامية، وأميرها أمير المؤمنين الشيخ أبو بكر البغدادي حفظه الله، واتهام صريح له ولقادته وجنوده بالجهل، والهوى، وحب الرياسة، وما هذا شأن الناصح، ولا هكذا تكون النصيحة، مع ادعاء صاحب الرسالة النصح والبكاء على حال المجاهدينraquo;.

وأضاف: laquo;أبو قتادة شيخ أسير، والأسير لا تجوز له الفتيا، لأن ولايته قاصرة، فلعله بفتواه يتسبب بإزهاق أنفس بريئة، فيبوء بإثمها وهو لا يشعرraquo;.

وتابع: laquo;كلنا يعلم أن الشيخ الجولاني كان جندياً عند أمير المؤمنين البغدادي، فهو الذي ابتعثه للقتال في الشام... الأمير هو الشيخ أبو بكر والمأمور هو الشيخ الجولاني، والفَرْق واضح بين الإمرتين، فإمرة البغدادي هي إمرة كبرى وإمرة الجولاني هي إمرة حربraquo;.

والمؤكد أن هذه الرسالة أثارت استياء المقدسي من داخل سجنه، ما دفعه إلى كتابة رسالة أخرى تساءل فيها كيف يطلب من laquo;القائدraquo; أن يبايع laquo;جندي عندهraquo;، في إشارة إلى البغدادي laquo;الجنديraquo; والظواهري laquo;القائدraquo;.

وقال: laquo;لقد طفح كيل أحدهم (في إشارة إلى مهدي زيدان) وعدى قدره، فطفق يوزع أوامره على قادة الجهاد وساداته... سمعت أنه يخاطب قائد المجاهدين وهو أخونا وحبيبنا الشيخ المجاهد أيمن الظواهري حفظه الله، يأمره ويطالبه بمبايعة أحد جنوده، حاشراً أنفه بما لا يعنيه، ومتكلماً في ما لا يفقهه أو يدريه، فيا لها من مضحكات مبكيات...raquo;.

والمفارقة أن زيدان الذي طاولته سهام سخرية المقدسي، هو أحد أبرز laquo;المجاهدينraquo; الأردنيين الذين قاتلوا إلى جانب الزرقاوي في العراق، كما قاتل إلى جوار شقيقه محمود مهدي الملقب بـ laquo;منصور الشاميraquo; في أفغانسان، قبل أن يقضي بغارة أميركية داخل إحدى المناطق الباكستانية عام 2009، وكان قبلها يعمل مستشاراً شرعياً لدى زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا محمد عمر.

كما يعتبر زيدان صاحب اطول مدة اعتقال في السجون الأردنية، لاتهامه بقضايا تتعلق بـ laquo;الإرهابraquo;، وهو أحد منظّري العلم الشرعي على مستوى الشمال.

ويقول خبراء الحركات الجهادية إن هذا الأخير، يصنف على أنه laquo;حامل راية الزرقاوي إلى سوريةraquo; يسانده الكثير من أنصار laquo;أبو مصعبraquo; وغالبيتهم من فئة الشباب المتحمس، الذي يرى في الدولة الإسلامية كياناً أنسب للتعبير عن آرائه ومواقفه المتشددة.

ويضيف الخبراء أن الخلاف الحالي، ما هو إلا جولة جديدة من الخلاف بين أتباع الزرقاوي الذين يدعون إلى العمل المسلح من دون ضوابط، وجناح (أبو قتادة - المقدسي) الذي يدعو إلى مراجعات عميقة على صعيد الأعمال القتالية، والضوابط التي تحكمها.

وتقول قيادات سلفية لـ laquo;الحياةraquo;، اشترطت عدم ذكرها لأسباب أمنية، إن غالبية المقاتلين السلفيين الذين يغادرون الأردن إلى سورية يلتحقون بالدولة.

وترفض هذه القيادات سواء المحسوبة على جناح الزرقاوي أو تلك المصنفة على جناح (أبو قتادة - المقدسي) التحدث بأسمائها الصريحة في هذا الموضوع، خشية الملاحقات الأمنية الواسعة، التي قد تقودهم إلى محاكمات عسكرية، بتهم laquo;تجنيد أشخاص لمصلحة القتال في دولة مجاورةraquo;، هي سورية.

ويقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والتيارات الجهادية، محمد أبو رمان، إن الخلاف الذي نشهده اليوم داخل التيار الجهادي الأردني laquo;يتمثل بين تيارين رئيسين: الأول يمثل الجناح الأكثر واقعية، يعبر عنه المقدسي وأبو قتادة، ويتبنى موقفاً إيجابياً من جبهة النصرة باعتبارها تصحيحاً لمسار القاعدة في العراق، والثاني يمثل الجناح المتشدد، ويعبر عنه أتباع الزرقاوي، أو ما اصطلح على تسميتهم بالزرقاويون الجدد، وأحد أبرز قادتهم هو عمر مهدي، الذي دعا صراحة إلى مبايعة الدولة والبغداديraquo;.

ويضيف: laquo;الجناح الواقعي داخل التيار تمثله إلى جانب أبو قتادة والمقدسي قيادات مهمة، منها الدكتور سعد الحنيطي والدكتور منيف سمارة وجراح الرحاحلة، ولدى هذه القيادات شكـوك كبيرة وتخوفات تجاه الأجندة التي تتبناها الدولة، لا سيما أن البغدادي ليس معروفاً لديهم معرفة الظواهري نفسها، إضافة إلى أنه تبنى قتال فصائل إسلامية أخرى ونصّب نفسه أميراً على المؤمنينraquo;.

وتابع: laquo;رسالة الظواهري الأخيرة تكشف الأفكار الجديدة لأسامة بن لادن قبل مقتله، وهي أفكار تمثلها جبهة النصرة، مثل التصالح مع المجتمع وعدم تكفير الآخر، وهذه الأفكار نفسها دعا إليها المقدسي، وانتقد الزرقاوي في أيامه الأخيرة لعدم تطبيقهاraquo;.

في المقابل، يرى أبو رمان، الذي أعد أخيراً دراسة مطولة عن الجماعات الإسلامية في سورية، أن الجناح الذي يمثل الزرقاوي laquo;يحتوي على شخصيات كثيرة ايضاً، لكنها شخصيات غامضة أقرب إلى خط التطرف، يمثلها إضافة إلى عمر مهدي، السلفي الجهادي حمدان غنيمات، الذي يتحدر من مدينة السلطة الأردنية، ويقاتل حالياً في مدينة حلب السوريةraquo;.

ويؤكد أبو رمان أن غالبية السلفيين الأردنيين الذين غادروا إلى سورية laquo;يقاتلون اليوم تحت لواء الدولة الإسلامية وليس النصرة، لأن كثيراً منهم يتبعون في الأساس جناح الزرقاويraquo;.

لكن أبو رمان يرى laquo;أن الجناح الأقوى فكرياً وثقافياً داخل التيار الأردني هو laquo;جناح أبو قتادة - المقدسيraquo;، في حين أن الجناح الأقوى من حيث القتال على الأرض هو جناح الزرقاويraquo;.

وفي موازاة ذلك، كشف باحث آخر في شؤون الجماعات الإسلامية، يدعى وائل البتيري، عرف بقربه من المقدسي، تفاصيل رسالة نادرة بعث بها الأخير من سجنه، انتقد فيها وصف جماعات laquo;الإخوان المسلمينraquo; حول العالم بأنها laquo;شر من العلمانيينraquo;.

وقال البتيري لـ laquo;الحياةraquo; إن المقدسي laquo;ندد بشــدة بما قال إنه تناول بعض إخواننا لجماعات الإخوان في بياناتهم وكتاباتهم وخطاباتهم، بالطعن والثلب والتحقير، في وقت نكبتهم وابتلائهم وتسلط نظام الكفر وجيش الطاغوت في مصر عليهمraquo;.

وأضاف: laquo;المقدسي كان يقصد من خلال هذه الرسالة الرد على الناطق باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أبو محمد العدناني، الذي قال في تسجيل صوتي قبل أيام إن جماعات الإخوان المسلمين، لا تعدو كونها أحزاباً علمانية بعباءة إسلامية، بل هم أشر وأخبث من العلمانيينraquo;.

ونقل البتري عن المقدسي قوله: laquo;هل قول من قال بعد نكبة الإخوان في مصر بأن (الإخوان شر من العلمانيين والمرتدين) عدل وإنصاف، وهل من يطلق مثل هذه الأوصاف على عواهنها قادر على أن ينصف الناس ويحكم بينهم إذا ما تسلّم زمام الأمور، وفي الناس من العوام والعصاة والخاطئين والمخالفين والفسّاق وغيرهم ممن هم شر من الإخوانraquo;.

وكان الأردن اعتقل خلال الأشهر الفائتة الكثير من أتباع الزرقاوي، قبل وصولهم سورية.

ويقول مسؤولون أردنيون إن الجيش وقوات الأمن يبذلون قصارى جهدهم في سبيل السيطرة على الحدود بين البلدين التي يسهل اختراقها.

ومبعث القلق الأكبر لدى عمان هو تصاعد نفوذ المقاتلين المتشددين قرب القرى والبلدات الأردنية.

يقول ماهر أبو طير، وهو معلق سياسي مطل على دوائر القرار، إن لدى العاصمة الأردنية laquo;خشية متصاعدة من تشكل إمارة جهادية على خاصرتها الحدودية مع سورية، وإنها تراقب عن كثب تحركات الجهاديين الأردنيين، التي تصل أعدادهم الى قرابة 5 آلاف مقاتلraquo;.