روزانا بومنصف

ليست المرة الاولى التي تدعو فيها المملكة العربية السعودية رعاياها الى مغادرة لبنان اثر تهديدات او تسريبات اعلامية تحمل في طياتها رسائل واضحة بحيث تخشى المملكة على من بقي من رعاياها فتحضهم على المغادرة. الا ان ما يجري على هذا الصعيد وخلال العامين الاخيرين يعكس ملامح لعبة سياسية والبعض يقول امنية خطيرة باهداف استراتيجية بعيدة المدى. اذ يخشى بعض السياسيين من توظيف التفجيرين الانتحاريين ضد السفارة الايرانية في بيروت وما يفترض انه رسالة من اجل ان تنسحب ايران من سوريا وتحض quot;حزب اللهquot; بدوره على سحب قواته منها في اطار اثارة رد فعل معاكس في مكان آخر (يحمل للمفارقة ملامح لا تقل تهديدا عما يتصف به التفجيران الارهابيان ضد السفارة الايرانية) هو اثارة المخاوف من استهداف مصالح السعودية او رعاياها وحضها على ترحيلهم. فيبدو الامر كمن يلعب البليارد فيضرب كرة مستهدفا كرة محددة فيما الهدف كرات اخرى في الوقت الذي تبدو فيه طهران وكما تسعى الى اظهار ذلك في دفاعها عن النظام السوري ومده بالدعم العسكري والمادي انها تحارب quot;الارهابquot; وان هذا الاخير بات يستهدفها مباشرة بحيث باتت في موقع اضافي يقربها من الدول الغربية التي تحارب الارهاب ايضا. فهل يترك لبنان لايران التي اعلن مساعد وزير خارجيتها ان امن ايران من امن لبنان بما يفهمه كثر ان امن ايران يتطلب ان تكون هذه الاخيرة في لبنان هجوما ودفاعا عن امنها كما كانت الحال مع النظام السوري حين كان يرفع هذه المقولة خصوصا في ضوء اعلان طهران عدم تراجعها عن دعم حلفائها والبقاء على مواقفها باعتبار ان تفجيرا من هذا النوع من غير المرجح ان يحملها على تغيير استراتيجية اساسية لها في لبنان وسوريا او يترك لبنان لها في اطار التنازلات التي تقدمها او تستعد لتقديمها حول ملفها النووي في جنيف؟

في واقع الامور ان الثقة بالولايات المتحدة قد اهتزت في المنطقة الى حد بعيد في ما يسميه البعض انكفاء ويسميه البعض الاخر استراتيجية اميركية مختلفة تؤدي الى تراجعها بعد اهتزاز تحالفاتها في المنطقة. ولا يعكس هذا الواقع اعلان المسؤول الاسرائيلي افيغدور ليبرمان من ان اسرائيل في صدد البحث عن حليف اخر غير الولايات المتحدة في اشارة الى الاحباط الذي يثيره الاداء الاميركي لدى اسرائيل بالذات علما ان لهذا دلالاته القوية حول اولوية المصالح الاميركية على مصلحة ابرز واقوى حلفائها في المنطقة، بل هو موقف واشنطن في ملفين اساسيين في المنطقة والعالم على حد سواء. الاول هو الملف النووي الايراني الذي اظهرت واشنطن عدم كفاية في التفاوض فيه في مقابل دور الشرطي السيء الذي لعبته ولا تزال فرنسا مقابل دور الشرطي الجيد الذي لعبته واشنطن من اجل عدم ترك ثغر في اتفاق بات واضحا الان انه كانت تتم الهرولة اليه في جلستي 10 و11 تشرين الاول الماضي بناء على الارتياح المتبادل والكيمياء الايجابية بين الرئيسين باراك اوباما وحسن روحاني التي فتحت الابواب واسعة امام المسارعة في تطبيع العلاقات واصلاحها بعد قطيعة تاريخية لثلاثة عقود. وباتت فرنسا هي من يحدد الاطار لاتفاق بين مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران وليست الولايات المتحدة التي انتقد باحثون فيها فرنسا بداية لتشددها في هذا الشأن ثم عادوا فوجدوا انها تفاوض افضل من المسؤولين الاميركيين نحو اتفاق افضل واكثر ضمانا مع ايران التي وجهت انتقادات قاسية لفرنسا.
اما الملف الاخر فهو الازمة السورية والاستعدادات لمؤتمر جنيف 2. ومع انه يرتقب انعقاد مؤتمر اميركي روسي بين وزيري خارجيتي البلدين بعد يوم الاثنين في 25 الجاري مع الموفد الاممي الاخضر الابرهيمي من اجل محاولة تحديد موعد للمؤتمر والدول التي ستتم دعوتها، الا انه لم يفت المتابعين تراجع الولايات المتحدة لمصلحة روسيا التي بدت ناشطة ومتحركة على هذا الخط في كل الاتجاهات. وهذه الاتجاهات تشمل ايضا قوى المعارضة غير المندرجة تحت سقف النظام السوري كما يطلق المسؤولون الروس سقوفا او شعارات لمؤتمر جنيف 2 من غير الواضح ما اذا كانت واشنطن سلمت لها بها ام لا. وتقول مصادر معنية ان التسليم الاميركي لروسيا واضح في هذا الاطار بغض النظر عن مآل مؤتمر جنيف 2 وما اذا كان سيؤدي الى الاتفاق على حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات ام سيؤدي الى مؤتمر جنيف 3 او 4 او 5 باعتبار انه وعلى رغم هذه الجهود الظاهرية فان الوقائع على الارض تدحض احتمالات النجاح وترجح استمرار الازمة السورية سنوات اضافية. ومغزى ذلك ان انسحاب الولايات المتحدة من الملفين الاساسيين راهنا يترك المجال رحبا للاستنتاج وربما اكثر بأن مساحات بدأت تترك فارغة عمدا او عفوا او ان يتم التخلي عنها تبعا لموقعها في سلم الاولويات والاهمية. ولبنان في هذه المرحلة لا يحتل اي اولوية او اهتمام في حين يترك الى ما بعد ما ستنتهي اليه مقاربة الملفين المذكورين في الوقت الذي يتم تطبيع الوضع فيه بناء على معطيات ووقائع جديدة قد يصعب دحضها او يستحيل ايضا مع مرور الزمن.