مالك التريكي


قدم الناشط المغربي نور الدين عيوش الأسبوع الماضي اقتراحا إلى مكتب الملك محمد السادس يدعو إلى lsquo;اعتماد اللغات الأم في التعليم الأولي وفي السنوات الأولى من التعليم الابتدائي كلغة تعليم واكتساب للمعرفة الأساسيةrsquo;. ولكن نظرا إلى أن اللغة الأم المعنيّة ليست العربية ولا الأمازيغية، بل العامية، فقد أثار الاقتراح جدلا لا يزال يتوالى فصولا. ودفع السيد عيوش بأن هدف الاقتراح هو تفادي تعرض الأطفال للسلبيات التربوية الناجمة عن lsquo;قطيعة لغوية مبكرةrsquo; مع اللغة الأم (العامية).
وقد كان من إيجابيات هذا الجدل حول القضية اللسانية أنه استفز المفكر الفذ عبد الله العروي فأخرجه من صمت جليل وطويل ظل ملتزما به حوالي ربع قرن (باستثناء مقابلات صحافية نادرة كان لي، شخصيا، شرف الحظوة بإحداها). حيث قال في حديث أدلى به لجريدة lsquo;الأحداث المغربيةrsquo; نشرته هذا الأسبوع في ثلاثة أجزاء متتالية في نسختها الورقية حصرا (دون الموقع الالكتروني): lsquo;إن هذا الموضوع وحده استطاع أن يخرجني من مقبعي لأنني لا أستطيع السكوت عنهrsquo;.
ورغم أن العروي قال إن lsquo;التدريس بالدارجة يروم تقويض الوحدة الوطنيةrsquo;، فقد ثبت للقراء مجددا أنه لا يقف من القضية اللسانية موقفا إيديولوجيا. أي أنه لا يكتفي بالانضمام لموقف الاستنكار السائد عربيا. بل إنه يناقش الدعوة إلى تكريس العامية مناقشة عملية: ما الجدوى؟ وما مدى إمكانية التطبيق؟ ولهذا شرح، في حواره الأخير، أن استخدام العامية في سنوات التكوين الأولى قد يكون مساعدا للطفل في المواد العلمية، ولكن حالما يبلغ عامه الثاني عشر، حيث تبدأ الحاجة لدراسة الآداب، سيجد أن علاقته منقطعة باللغة العربية. lsquo;سيصير التلميذ هنا كأي مسلم غير عربي في ماليزيا أو أندونيسياrsquo;. وتساءل: هب أن المغرب مضى في هذا النهج، lsquo;كم سنحتاج من الوقت لنخدم هذه اللغة حتى تصير قائمة الذات وقادرة أن تكون لغة تدريس وثقافة؟ مائة عام على الأقل!rsquo; مائة عام قد تضع المغرب في وضع متأخر مقارنة بباقي البلاد العربية. ثم استشهد بمقطع من روايته lsquo;اليتيمrsquo;، وسأل: lsquo;كيف كنت سأكتب كل هذا بالدارجة؟! لا يمكن كتابته بالدارجة لأن فيه إيحاءات البندقية وهمنغواي وتوماس مان. هذا تراكم مائتي سنة، وتلاقح بين هذه الحضارة واللغة العربية المكتوبة التي استطاعت أن تستوعب هذه المعطيات في عمقها وتعبر عنها بهذا الأسلوب. بالتالي علينا أن ننتظر مائتي سنة أخرى حتى ننجح في التعبير بالدارجة تعبيرا أدبيا محملا بالإيحاءات. هل نملك الزمن الكافي لتحقيق هذه النتيجة التي تستطيع العربية تحقيقها دون مشاكل؟rsquo;.
نقطتان أخيرتان: أولا، يبدو أن سبب اختيار العروي lsquo;الأحداث المغربيةrsquo; هو أنها جريدة متعاطفة مع الدعوة لتكريس العامية، ما يضمن تبليغ الرسالة وإصابة الهدف!
ثانيا، أن العروي ذكّر بأنه رفض منذ كتابه الأول، lsquo;الإيديولوجيا العربية المعاصرةrsquo;، الصادر منتصف الستينيات، ما سماه lsquo;الثقافة الفولكلوريةrsquo;. لماذا؟ lsquo;حتى لا نجد أنفسنا في ذلك المستوى البدائي الذي هو طور الانفتاح على الكتابة والمكتوب اللذين التحق بهما الإغريق منذ ثلاثين قرنا، والعرب منذ ما يقرب من عشرين قرنا. [فكيف] يأتي البعض منا الآن في القرن الحادي والعشرين ويقول إن علينا أن نبدأ من الصفرrsquo;.