فؤاد عجمي


لم ينل حسن نصر الله، رجل الدين الشيعي المرهوب الجانب وقائد حركة حزب الله اللبنانية، ما تمنى، فقد أشرك ميليشياته في الحرب السورية، وساعد في تحويل دفة الحرب لصالح نظام بشار الأسد، وتباهى ببأس مقاتليه، بيد أنه لم يسأل نفسه إن كان القتال في سوريا سيظل محصورا داخل الأراضي السورية فقط.

وقد بعث التفجيران اللذان ضربا السفارة الإيرانية في الحي الذي يسيطر عليه حزب الله من بيروت إلى نصر الله بحقيقة يعلمها كل الفرقاء في هذا الصراع.. أنه لا توجد انتصارات سهلة، وأنه من غير الممكن أن يندلع القتال في سوريا في الوقت الذي تمضي فيه الحياة كعادتها في بيروت.

لقد كان نصر الله - وإلى حد بعيد من يمولونه في إيران - هم من سطروا القواعد الجديدة القاتمة للحرب في سوريا. فلم يتمكن الأسد من السيطرة على التمرد في سوريا، ولم تكن الأسلحة الروسية ولا التمويل الإيراني كافيا لذلك. لكن الرغبة الإيرانية في الإنكار واجهها عدم كفاءة قوات الأسد، فمناصرو الأسد كانوا قساة، لكن الانشقاقات في صفوف قواته والقاعدة الطائفية الصارخة لنظامه أجبرت الإيرانيين على الخروج إلى العلن. واتضح ذلك جليا عندما أصدرت إيران أوامرها إلى حزب الله بالمشاركة في الصراع.

لم يكن مهماً ما إذا كان نصر الله وقادته متحمسين للمشاركة في المهمة الجديدة خارج الحدود اللبنانية. فقادة حزب الله لاعبون أساسيون في اللعبة السياسية اللبنانية ويعلنون في الوقت ذاته أنهم جنود في كتائب الحرس الثوري الإيراني. ومن ثم فإن القائد الفعلي لحزب الله ليس نصر الله الذي يقبع في مخبئه، بل المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، في طهران. فالمال والقوة والحماية الإيرانية هي التي رفعت نصر الله، ذلك الطفل الذي نشأ في أفقر أحياء بيروت، إلى مكانة رفيعة كأمير حرب في لبنان.

ورغم الضغوط الاقتصادية التي تعانيها إيران في الداخل استمر تدفق المال إلى بيروت.. من أموال توجه إلى مقاتلي حزب الله، وللقناة التلفزيونية، laquo;المنارraquo;، التي تعمل على بث الرسالة الإيرانية. وقد مكنت شبكة الإغاثة الموسعة نصر الله من أن يبدو كرجل بر أمام الشيعة الفقراء وأن يطلب من أتباعه تقديم تضحيات أكبر. كانت المهمة واضحة وهي أن يجعل من إيران قوة في البحر الأبيض المتوسط عبر لبنان، الجار الأصيل لسوريا. وبمجرد إعلان إيران عن تعهدها ببقاء الأسد، شقت قوات حزب الله طريقها إلى سوريا. لكن هذه الحرب لم تخفِ سرا. في البداية كانت جنازات مقاتلي حزب الله الذين يسقطون في المعركة تقام سرا. وكانت شهادات وفاتهم غامضة - قتلوا خلال أدائهم واجبا جهاديا.

لكن معركة القصير الشرسة في مايو (أيار) الماضي حطمت هذا الغموض، عندما تمكن مقاتلو حزب الله من الانتصار عبر دفع ثمن باهظ. كانت احتفاليتهم مقيتة، تحدّوا بها مشاعر السنة في كل مكان، عندما رفعوا اللافتات الشيعية فوق المساجد السنية، وخالفوا الميثاق غير المكتوب بين كل أطراف النزاع الطائفي في لبنان بالابتعاد عن الصراع السوري، خشية أن تؤدي الانقسامات إلى تمزق لبنان.

كانت القصير بالنسبة لسنة لبنان، الذين كانوا يسيطرون على المدن الساحلية اللبنانية من بيروت وصيدا وطرابلس، بمثابة استنفار للمشاركة في المعركة.. فقد شاهدوا مقاتلي حزب الله يجتاحون غرب بيروت العزيز على قلوبهم، وشاهدوا سكان العشوائيات الشيعة القادمين من الجنوب الفقير ووادي البقاع يستوطنون بيروت ويغيرون من طبيعتها السكانية. كما أغضبهم ظهور إيران وسفارتها وعملاؤها كقوة في محيطهم.

كان الانتحاريان اللذان فجرا السفارة الإيرانية، أحدهما على دراجة نارية والآخر يقود سيارة محملة بأكثر من 100 رطل من المتفجرات، لبنانيين تابعين لـlaquo;القاعدةraquo;، وبحسب البيان المنشور على laquo;تويترraquo;: laquo;بطلان من سنة بيروتraquo;.

لقد وصل الجهاد السني إلى بيروت، وعلى نصر الله وقادته في إيران أن يتقبلوا أن تلك هي الحرب التي صنعوها. إن إيران تلعب لعبة مزدوجة.. فهي تدعي احترام الشؤون الإقليمية، في الوقت الذي تطالب فيه بدور في المفاوضات بشأن سوريا متى عقدت هذه المفاوضات. وقد وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني سوريا في مقال نشر في صحيفة laquo;واشنطن بوستraquo; بأنها laquo;جوهرة حضاريةraquo;، في الوقت الذي كان الحرس الثوري ينشر الحزن والأسى على المدنيين السوريين، لكن هجوم بيروت تأكيد صارخ على أن إيران لم تعد قادرة على إنكار أفعالها في سوريا.

* بالاتفاق مع laquo;بلومبيرغraquo;