عادل درويش

القمة العربية الأفريقية الثالثة (19 - 20 نوفمبر/ تشرين الثاني)، التي استضافتها الكويت بمبادرة من أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، جاء توقيتها موفقا للبحث عن حلول لمشاكل لا تقلق الكويت فقط، بل حلفاءها أيضا (أعضاء في كل من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي)، مع نافذة الفرصة المتاحة لتطوير المصالح الاقتصادية المشتركة.

أسست الكويت سابقة دورية القمة (ثلاث سنوات)، لتنعقد مشتركة بين الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي (منظمة الوحدة الأفريقية سابقا).

فالقمة الثانية كانت في ليبيا عام 2010، لأن ليبيا تولت رئاسة (المضيف) قمة جامعة الدول العربية، بينما كان الاتفاق على أن تكون مصر رئيسا للمجموعة الأفريقية في القمة الثالثة (الكويت رئاسة الجانب العربي)، لولا قرار الاتحاد الأفريقي بتجميد نشاط مصر بعد تحرك المؤسسة العسكرية تلبية لرغبة الغالبية الساحقة من المصريين بإزاحة الرئيس الإخواني، تمهيدا لانتخابات جديدة (قرار الاتحاد مضحك في بليته بعد تاريخ الاتحاد في حماية ديكتاتوريات أعضاء فيه)، والأمر سيحسم في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ما بين القمة الثانية والقمة الأولى 33 عاما. فالقمة الأولى كانت في القاهرة عام 1977 بمبادرة من الزعيم المصري الراحل أنور السادات الذي أعاد التركيز على أفريقيا حيث المصالح الحيوية التاريخية لمصر، بعد أن أبعدت الأطماع الآيديولوجية والطموحات السياسية لسابقه أولويات المصالح القومية المصرية عن القارة السوداء وحوض النيل، متجها إلى مغامرات عسكرية وسياسية شرقا.

قمة القاهرة 77 خرجت ببرنامج التعاون الأفريقي - العربي الاقتصادي، والبيان السياسي لدعم حركات التحرر الوطني (وكانت الموضة السائدة وقتها لربط ما سمي بـlaquo;نضالاتraquo; شعوب فلسطين، وزيمبابوي، وجنوب أفريقيا، والصومال، وجزر القمر، والساحل الفرنسي، بتضامن أفريقي عربي مشترك) laquo;للتوصل لحرياتها وطموحاتها الوطنية المشروعةraquo;.. وأيضا برنامج اقتصادي (أدى إلى فتح أبواب التعاون والاستثمار الثنائي، ودعم اقتصادي ومالي غالبه من الجانب العربي خاصة من صندوق الدعم الكويتي، واستثمارات من شركات الاتصال والبناء والاستثمار الغذائي في الزراعة لتصدير المنتجات للبلدان الخليجية).

مبادرة السادات للقمة العربية الأفريقية لها جذور تعود إلى التعاون المصري السعودي عشية حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، والجهود الدبلوماسية المصرية في أفريقيا، خاصة تلك التي قادها شيخ الدبلوماسية المصرية (والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة) الدكتور بطرس بطرس غالي (وهو من دعامات تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في الستينات ويتمتع بشعبية واسعة في أفريقيا سواء على مستوى الرأي العام، أو المستويين الرسمي والدبلوماسي). ومع حلول ربيع 1973 نجحت دبلوماسية القاهرة في إكمال إقناع جميع بلدان أفريقيا (باستثناء جنوب أفريقيا وكينيا) بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، لرفض الأخيرة تنفيذ قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967 بالانسحاب من أرض أفريقية (سيناء) تحتلها بالقوة.

كان اتفاق السادات مع المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز (الذي قدم دعم المملكة لمصر ووقوف الشعب السعودي كتفا بكتف مع الشعب المصري في حرب 1973، وهو الموقف الذي يكرره اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في وقوف المملكة حكومة وشعبا مع الشعب المصري في حربه ضد الإرهاب) توجيه الاستثمارات إلى أفريقيا، ليس فقط مكافأة على دعم أفريقيا لمصر (والتصويت مع مصر والمجموعة العربية في مجلس الأمن والجمعية العمومية وعديد من المحافل الدولية)، وإنما لتعويض الأفارقة عما سيتعرضون له من ضغوط اقتصادية متوقعة من شركات أميركية وغربية رأت أن من مصالحها الضغط على البلدان الأفريقية التي قطعت العلاقات مع إسرائيل.

وكانت مصر لا تزال مشغولة في مناورات وتعقيدات فك الاشتباك والانتقال من العمل العسكري للمعركة القانونية تمهيدا للسلام عند رحيل الملك فيصل، ولم تتدفق الاستثمارات بالحجم المتوقع على أفريقيا. كما أن تغيير السياسة المصرية من المعسكر السوفياتي في الحرب الباردة إلى التحالف الغربي ركز الجهود على أجندة مكافحة الشيوعية ووقف تغلغل النفوذ السوفياتي في القارة.

مقدمة تاريخية ضرورية لوضع القارئ في صورة حسابات دعوة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد إلى عقد القمة في هذا التوقيت، لضمان أن تكون القمة المقبلة في خريف 2016 (ومكانها ستقرره اجتماعات يناير المقبل، حيث كان المفترض أن تستضيفها مصر قبل حادثة تجميد العضوية، حيث يجري التناوب على استضافتها بين بلد خيار الاتحاد الأفريقي، ثم البلد المضيف لقمة جامعة الدول العربية) في خدمة المصالح المشتركة.

حاول بعض الأفارقة إدخال عبارات سلبية تجاه مصر في البيانات، ورفضت الكويت بحسم، بل على العكس كان هناك laquo;بروفايلraquo; عالي الحضور للوفد المصري والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور (اجتمع الأخير برئيس الوزراء الإثيوبي على هامش القمة وتباحثا في التوتر حول بناء إثيوبيا مشاريع نهرية في أعالي النيل الأزرق، وهو حديث مقال آخر).

إعلان أمير الكويت (له خبرة، كما وكيفا، لا تقدر بثمن في العمل الدبلوماسي والاتصالات الدولية كوزير خارجية سابق) منح مليار دولار مساعدة للبلدان الأفريقية إشارة واضحة المغزى والمعالم، وهي أن التعاون مع الأفريقيين يعني عدم الإضرار بالمصالح العربية وفي مقدمتها دعم مصر بأقصى الجهود (إلى جانب بقية البلدان المزدوجة العضوية في الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي).

ولا تزال التجارة العربية الأفريقية بسيطة (وأغلبها مع بلدان مجلس التعاون)، حيث بلغ مجموع الصادرات العشر الكبرى، وكلها صناعية وبترولية، إلى أفريقيا عام 2011 ما قيمته 22.798 مليار دولار (أو 1.5 في المائة من مجموع حجم تجارة دول المجلس الخارجية مقارنة مثلا بـ10.5 في المائة تجارة مع الصين و11.3 في المائة مع الهند و12.5 في المائة مع اليابان و13.5 في المائة مع الاتحاد الأوروبي)، وتبلغ واردات أفريقيا إلى بلدان الخليج 4.867 مليار دولار (أي 17.931 مليار دولار يميل بها الميزان التجاري لصالح بلدان الخليج).

المهم في المبادرة ألا تعرقل السياسة الاستثمار الاقتصادي والتعاون، بل العكس هو المطلوب، أي أن يرغم فتح الأسواق والاستثمار الحكومات (خاصة الأفريقية) على مكافحة الفساد وإصدار تشريعات تضمن إبعاد أذرع السياسة عن شؤون السوق، لأن الاستثمارات هي التي ستخلق فرص العمل وتحقق الرخاء خاصة في القطاع الخاص. ومن الطبيعي أن تأتي معظم الاستثمارات من الجانب العربي، خاصة الخليج.