زيد حمزة

في المحاضرة التي ألقيتها في المكتبة الوطنية الاسبوع الماضي بمناسبة (اليوم العالمي للتسامح) نقلتُ عن نشرة معهد جنيف الدولي لحقوق الانسان/ 16 تشرين الثاني 2012 أن إعلان المبادئ الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1996 قد نص علي أن يكون 16 نوفمبر بوماً دولياً للتسامح ودعت جميع اعضائها للاحتفال به كل عام تأكيداً منها على أن التسامح مطلوب طالما كان التنوع أمراً ملازماً للوجود الانساني وسُنّةً كونية لا مناص منها، لانه يعني احترام هذا التنوع والتصالح معه وهو في جوهره اعتراف بحقوق الانسان لدى الآخرين، ونقلت النشرة عن السيدة ايرينا بوكوفا المديرة العامة لليونيسكو قولها إن التسامح لا يعني اللامبالاة تجاه الآخرين ولا يتضمن قبول كل المعتقدات دون تحفظ أو إصعاف التزام المرء بمعتقداته، كما لا يعني استعلاء المتسامح لأنه ارفع مرتبة .. وقولها إن احتمال التباس معاني التسامح بغيرها من المفاهيم السالبة تستدعي ضرورة العمل على صعيد التثقيف والتبشير بجوهر التسامح كنقيض للتشدد، وعلى تحفيز الحكومات كي تتبني المعاني الواردة في اعلان مبادى التسامح الأممي وذلك باعادة النظر في كثير من المناهج التعليمية التي تُدرَّس للناشئة والغاء تلك التي تغذي فيهم روح التعصب والانغلاق والكراهية واستبدالها بأخرى تجذّر في نفوسهم مبدأ احترام الآخر حين يكون مغايراً في الدين أو اللون أو الاصل أو الجندر !.


ومن ناحية أخرى جاء في مقال حول التسامح لجيمس كالب المحامي والباحث المستقل في 5 حزيران 2013 في مجلة Crisis Magazine أن دونالد آرثر كارسون اللاهوتي والفقيه في تفسير الكتاب المقدس يرى في مؤلفه الجديد( شباط 2013 ) The Intolerance of Tolerance أن معنى الكلمة قد تحوّل من قبول حق الآخرين باعتناق آراء ووجهات نظر معارضة أو مخالفة الى القبول بتلك الآراء وكأنها صحيحة وشرعية ، وهذا ما يوحي بالتخلي عن المناقشة الحرة للادعاءات المتنازعة على الحقيقة لحساب كبتها واسكاتها، وهو ما يجعل التسامح بهذا المعنى الجديد خطراً اجتماعياً بلا بصيرة ويجعله وسيلة تؤدي فعلاً الى عدم التفهم وعدم التسامح معاً .


وقد تساءلتُ في المحاضرة لماذا يكون لمغزى اليوم العالمي للتسامح هذا الفهم الملتبس الذي يكاد يفقده أهميته كيوم تحتفي فيه البشرية بقيمة أخرى من القيم النبيلة التي تقر بالاشكال المختلفة لحقوق الانسان ؟! وبرجوعي للقواميس الانجليزية المختلفة تبين لي أن كلمة Tolerance لا تفي بالغرض المقصود الذي دعت إليه المنظمة الدولية، كما أن ترجمتها الى العربية جاء ndash; في نظري ndash; متسرعاً فأدى الى مزيد من اللبس وسوء الفهم فكلمة التسامح قد تحمل فعلاً معنى التعالي من طرف على آخر بدل اعتذاره واصلاح نفسه، وقد تعني قبول الطرف الضعيف بعدوان الطرف القوي ومن ثم مسامحته على فعلته، ولو وسعنا الدائرة لتشمل العلاقات بين الدول والشعوب فانها قد تعني مثلاً أن يسامح الشعب الفلسطيني الصهيونية التي اغتصبت وطنه وشردته في كل بقاع الارض، أو تعني أن تُسامح الشعوبُ طغاتهَا فيغفر الشعب التشيلي لبينوشيه جرائمه، وأن تسامح الشعوب الأفريقية والآسيوية دول الغرب الاستعماري على ما اقترفته بحقها من نهب لثرواتها وتنكيل بابنائها وبعضها مازال ممعنا في ذلك وإن بوسائل جديدة، كما قد تعني قبول المجتمع المتحضر بوجود حزب نازي أو فاشي أو ديني متعصب يكره الآخرين ويضمر لهم السوء .. وانا لا أعتقد قط أن الأمم المتحدة قد قصدت اياً من هذه المعاني بل على العكس من ذلك دعت للتفاهم على قاعدة الاحترام المتبادل والقبول الايجابي الحر بين جميع الاطراف .
وبعد .. ليس مقبولا من الحكومات التي صادقت على هذا الاعلان العالمي منذ عام 1996 أن تتخذ من الالتباس في الترجمة حجة في التقاعس عن تطبيق مبادئه، فبعضها مازالت مناهجها المدرسية ( تغذي روح التعصب والانغلاق والكراهية ) !