فيصل القاسم

تكتـم حزب الله اللبناني طويلاً على وجود قواته في سوريا، وظل يبرر عملياتها بأنها كانت مجرد دفاع عن الأراضي اللبنانية المحاذية للحدود السورية. ولطالما نفى الناطقون باسم الحزب أي تورط لقواته في الصراع الدائر في سورية. لكن سرعان ما راح حسن نصر الله يعلن بالفم الملآن أنه أرسل قواته للدفاع عن المراقد والمزارات الشيعية في سورية، خاصة مرقد السيدة زينب جنوب دمشق. وعندما انفضحت هذه المزاعم، وبدأ عدد المقتولين اللبنانيين يتدفق على الضاحية بأعداد مهولة، وغصت المشافي اللبنانية بجرحى حزب الله، تغيرت مزاعم الحزب على الفور، وراح يعلن أنه توجه إلى سورية لمقاتلة quot;التكفيريينquot; وquot;الإرهابيينquot; quot;أذناب الصهيونية والإمبريالية وأدواتهاquot; أعداء quot;المقاومة والممانعةquot;. وكذلك صرحت إيران وميليشيات نوري المالكي العراقية التي نسيت أنها صنيعة quot;الإمبرياليةquot;، وأنها عادت إلى العراق على ظهور الدبابات الأمريكية، وراحت تعلن عن عملياتها ضد الجماعات التكفيرية quot;المدعومة صهيونياً وأمريكياًquot; في سورية. (شوفو مين عميحكي) قال quot;تكفيريينquot; قال، مع العلم أن النظام الإيراني يقوم بتكفير أي شيعي لا يؤمن بولاية الفقيه الوضعية، فما بالك بأمور عقدية أخطر وأنكى، فمصير من يخالفها جهنم وبئس المصير.

لقد أصبح الشعار الأعرض الذي يتستر به فيلق القدس الإيراني برئاسة قاسم سليماني وحلفائه الحزبلاتيين والعراقيين والحوثيين والباكستانيين والأفغان الشيعة هو شعار quot;مقاتلة عملاء الصهيونية والإمبرياليةquot; في سورية. ولما لا، فهو شعار براق يتوافق مع شعارات quot;المقاومة والممانعةquot;، ويمكن الضحك به على ذقون الذين ما زالوا مغفلين، خاصة بعد أن بات معظم الشارع العربي يسمي الممانعة quot;مماتعةquot; لإسرائيل في النهار، ومساكنة في الليل. لكن لا بأس، فلا مانع من استخدام نفس الأكاذيب والمسوغات لتبرير التدخل السافر في سورية ضد الشعب السوري وقواه الحية. يا سلام: لقد تحول الشعب السوري الذي لطالما تغنى حزب الله وإيران بأنه شعب quot;مقاومquot;، تحول فجأة إلى شعب quot;متصهينquot; وعميل للإمبريالية وquot;الشيطان الأكبرquot;، وبالتالي لا بد من مقاومته وممانعته على الطريقة الإيرانية الحزب اللاتية المعهودة.

وبقدرة قادر لم تعد الصهيونية ولا الإمبريالية ولا الشيطان الأكبر يقبع في تل أبيب، ولا في الجليل، ولا في البيت الأبيض، بل صارت كلها في قرى quot;القصيرquot; وquot;تلكلخquot; وquot;مهينquot; التابعة لمحافظة حمص السورية، وفي أقصى الشمال السوري في ريف محافظة حلب كقرى quot;نبل والزهراءquot; وquot;السفيرةquot; وquot;مارعquot;، وفي قرية quot;بصرى الشامquot; بمحافظة درعا في الجنوب، وفي قرية الحجيرة جنوب غرب دمشق، والسيدة زينب جنوب العاصمة، وquot;الذيابيةquot; بالقرب من المطار الدولي، ناهيك عن quot;عقرباquot; وquot;المليحةquot; وquot;المعضميةquot; وquot;دارياquot;، وكلها قرى تابعة لمحافظة ريف دمشق. لقد بلغنا من العمر عتياً، وهذه هي المرة الأولى التي نعرف فيها أن الصهيونية تقبع في قرانا السورية الوادعة في الجنوب والشمال والغرب والشرق. لا بد أن نشكر حسن نصر الله على أنه اكتشفها لنا بعد كل هذا العمر الطويل. ولا بد أن نقبـل يديه أيضاً على أنه جاء يحرر القدس المحتلة في قرى ريف دمشق وحلب وحمص ودرعا والسويداء وإدلب.

عجيب والله، الطريق إلى القدس يمر من quot;أريحاquot; السورية في ريف إدلب، وليس من quot;أريحاquot; الفلسطينية مثلاً. يبدو أن مقاتلي حزب الله بحثوا عن قرية quot;أريحاquot; في quot;جوجل إيرثquot;، فلما وجدوها توجهوا إليها للقتال من أجل فلسطين على الفور، لكن دون أن يعرفوا فيما إذا كانت هذه quot;الأريحاquot; في سورية أو فلسطين! المهم أنهم وجدوا quot;أريحاquot;، ولا بد للانطلاق منها لتحرير القدس حتى لو كانت في أقصى الشمال السوري بالقرب من مدينة إدلب الشهيرة.

quot;أليس الأقربون جغرافياً أولى بالمعروف يا حسن نصر اللهquot;، يصيح أحد السوريين ساخراً، لماذا تتجشم ميليشياتك عناء الطريق إلى شمال سورية، وتقطع مئات الكيلو مترات لتقتص من quot;عملاء الصهاينةquot; المعادين لحلف quot;المقاومة والممانعةquot; هناك، بينما أسياد quot;العملاءquot; الذين تلاحقهم على الأرض السورية موجودون على مرمى حجر من ميليشياتك في جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة كما تسميها.

لا شك أن غالبية السوريين والعرب، كما ترون، يسخرون من المزاعم الإيرانية والحزب اللاتية والعراقية الكوميدية بأنهم يقاتلون quot;عملاء الصهيونيةquot; في سورية. ولا أحد يأخذ مزاعمهم على محمل الجد، بل راح الكثيرون يهزأون بتلك الحجج الواهية التي لم تعد تنطلي حتى على الأطفال. شو قال: quot;نحن نخوض المعركة ضد الصهاينة في سوريةquot;. quot;طيبquot;، يصيح أحد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي: quot;يا خرتيت الضاحية إذا كان مرتزقتك موجودين في سوريا للدفاع عن فلسطين، فلماذا لا ترسلهم مباشرة إلى فلسطين؟ أليس منطقة الجليل المحتلة أقرب إليك وإليهم من حلب السورية الواقعة على الحدود التركيةquot;؟ لماذا لا تستعين بـquot;جوجل إيرثquot;؟

وبالأمس وجهت إيران أصابع الاتهام لإسرائيل مباشرة بعد تفجير السفارة الإيرانية في بيروت، وهذه شجاعة لا بأس بها. لكن السؤال المطروح الآن: هل سترد إيران وأزلامها في المنطقة على إسرائيل مباشرة، كما تفعل إسرائيل ضد كل من يعتدي على سفاراتها، أم أنها كالنظام السوري الذي يتلقى الضربة الإسرائيلية تلو الأخرى، لكن بدلاً من الرد على إسرائيل يرد على أطفال الغوطة بالكيماوي؟ هل سنرى quot;صواريخquot; حزب الله مثلاً تدك المدن الإسرائيلية انتقاماً للأبرياء اللبنانيين والإيرانيين الذين قضوا نحبهم في تفجير السيارة الإرهابي الذي اقترفته أياد صهيونية حسب المزاعم الإيرانية؟ أم أن كل الصواريخ التي تنطلق من لبنان على إسرائيل أصبحت quot;صواريخ مشبوهةquot; كما وصفها حسن نصر الله عام 2009؟ هل سترد طهران على quot;الصهاينةquot; في تل أبيب مثلاً ثأراً لسفارتها المفجوعة؟ أم أنها وجهت الاتهامات مباشرة لإسرائيل، لكنها سترد في طرابلس بلبنان، أو في سورية على quot;أذناب الصهيونيةquot; في حلب ودرعا ودمشق وحمص أيضاً؟ quot;أليس من الأجدى أن تضرب رأس الأفعى في تل أبيب، بدل أن تضرب ذيلها المزعوم في حمص مثلاً؟quot; وإذا كانت إسرائيل مشتركة في المؤامرة على quot;المقاومة والممانعةquot; فلماذا لا تردون عليها في عقر دارها بدل ريف دمشق؟quot;

إلى متى تهددون إسرائيل ثم تردون في سورية؟ طبعاً سيردون على إسرائيل quot;بالمشمشquot;، خاصة بعد أن أعلن حسن نصر الله حرفياً:quot; إن التقارب الإيراني مع (الشيطان الأكبر) فرصة لتعزيز محور المقاومة والممانعةquot;. هل نفهم من هذا الكلام أن أمريكا حامية إسرائيل تحتضن أيضاً حلف الممانعة والمقاومة، وأن الطرفين إخوة في الرضاعة؟