واشنطن - جويس كرم ؛ باريس - رندة تقي الدين ؛ طهران - محمد صالح صدقيان: دافعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس، عن اتفاق مرحلي أبرمته الدول الست المعنية بالملف النووي لإيران، مع طهران التي اعتبرته laquo;بداية النهايةraquo; لملفها، متحدثة عن laquo;تصدّع هيكلية العقوباتraquo; الدولية عليها. وواجه أوباما معارضة داخلية للاتفاق، تمثّلت في إصرار نوابٍ جمهوريين على تشديد العقوبات على إيران التي حذرت من أن خطوة مشابهة ستنسف الاتفاق، فيما أبدت إسرائيل غضباً شديداً، متحدثة عن laquo;أضخم انتصار ديبلوماسي لإيرانraquo;.

وشكّل التوصل إلى الاتفاق أولوية بالنسبة إلى أوباما، منذ تسلّمه منصبه عام 2009، لاحتواء التهديد النووي لطهران وتفادي الخيار العسكري ضدها. وعزا مراقبون إبرام الاتفاق إلى laquo;مفاوضات سريةraquo; بين واشنطن وطهران منذ آذار (مارس) الماضي، كما أفادت وكالة laquo;أسوشييتد برسraquo;، وأشار آخرون إلى حضور ملف الأزمة السورية في جنيف، على هامش المحادثات النووية، وتمثّل في وجود المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي في العاصمة السويسرية، إلى جانب تأكيد مصادر إيرانية أن البحث عن laquo;تسوية سوريةraquo; كان حاضراً خلال المناقشات النووية.

وكان ملفتاً laquo;ترحيبraquo; المعارضة الايرانية في الخارج (مجاهدين خلق) بالاتفاق، على رغم المواقف المتشددة التي تتخذها عادة ضد طهران، إذ اعتبرت الاتفاق laquo;تراجعاًraquo; بالنسبة إلى إيران laquo;في صنع قنبلة نوويةraquo;.
وبعد أربعة أيام على مفاوضات شاقة في جنيف بين إيران والدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، انضم إليها وزراء خارجية تلك البلدان، أُبرم اتفاق تمهيدي مدته ستة اشهر، ينصّ على كبح طهران برنامجها النووي، بما في ذلك وقفها تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 5 في المئة، في مقابل التزام الدول الست تخفيف عقوبات اقتصادية مفروضة عليها، في شكل laquo;محدود وموقت ومحدد الأهداف ويمكن إلغاؤهraquo; وتصل قيمته إلى نحو 7 بلايين دولار، فيما تُبقي غالبية العقوبات على قطاعات النفط والمال والمصارف.

واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن الاتفاق laquo;سيدخلنا مرحلة جديدةraquo;. وأضاف أن laquo;العالم اعترف ببرنامج إيران في تخصيب اليورانيومraquo;، محذراً من الاتفاق laquo;سيُلغى، إذا شدد الكونغرس الأميركي عقوباته على إيرانraquo;.

ورأى مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي أن الاتفاق laquo;يمكن أن يشكّل أساساً لتدابير ذكية مقبلةraquo;، فيما أكد الرئيس حسن روحاني أن laquo;حق إيران في التخصيب مذكور بوضوح في نصraquo; الاتفاق، متحدثاً عن laquo;تصدّع هيكلية العقوباتraquo; الغربية. أما رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي فاعتبر أن الاتفاق laquo;بداية لإنهاء الملف النوويraquo;، مؤكداً أنه laquo;لا يقيّد النشاطات النووية الإيرانية بتاتاًraquo;. وزاد: laquo;التخصيب حقّ لإيران، سواء بنسبة 5 أو 100 في المئةraquo;.

لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري رأى أن الاتفاق laquo;لا ينص على حق إيران في تخصيب اليورانيوم، مهما ورد في تعليقاتraquo;. وسعى إلى طمأنة إسرائيل الغاضبة من الاتفاق، معتبراً أنها ستكون laquo;على مدى الأشهر الستة المقبلة، أكثر أمناً مما كانت، إذ لدينا الآن آلية سنوسّع بموجبها مساحة الوقت التي يمكنهم (الإيرانيون) فيها التقدّم (لصنع قنبلة ذرية)raquo;. ولفت إلى laquo;تخفيف محدود جداً للعقوبات، وهيكلها الأساسي سيبقى قائماًraquo;.

لكن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي مايكل روجرز اعتبر الاتفاق laquo;خطراً ومكافأة لإيرانraquo;، فيما أعلن العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ مارك كيرك أنه laquo;سيواصل العملraquo; مع زملائه لـ laquo;وضع تشريع يفرض عقوبات اقتصادية جديدة، إذا أخلّت إيران باحترام هذا الاتفاق المرحلي، أو لم يكن تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية جارياً في نهاية الأشهر الستةraquo;. وذكر السناتور الجمهوري ليندسي غراهام أن laquo;الكونغرس سيصوّت على عقوبات جديدة، لكنها ستتأخر ستة اشهرraquo;.

وأبلغت مصادر أميركية laquo;الحياةraquo; أن laquo;المرحلة الأكثر صعوبة تبدأ الآن نحو اتفاق شامل خلال ستة أشهرraquo; قد تشمل تداعياته ملفات إقليمية أبرزها سورية، خصوصاً مع استعداد المفاوضين الأميركيين للقاء الإبراهيمي اليوم في جنيف حيث أفادت معلومات لـ laquo;الحياةraquo; بوجود المسؤول الأميركي عن الملف السوري روبرت فورد. وأضافت المصادر أن laquo;المرحلة المقبلة نحو اتفاق نهائي، كثيرة التعقيد وأكثر صعوبة بالنسبة إلى إدارة أوباماraquo; التي ستحاول تدوير زوايا كثيرة وطمأنة حلفائها إزاء أي صفقة شاملة مع طهران. وفي هذا الإطار، بثت شبكة laquo;سي بي أسraquo; أن كيري سيتوجه إلى إسرائيل الأسبوع المقبل.

وبعد مبادرات ديبلوماسية إزاء طهران بدأها أوباما منذ تسلّمه منصبه عام 2009، بما في ذلك برسائل خطية إلى خامنئي، أفادت وكالة laquo;أسوشييتد برسraquo; بمفاوضات laquo;سريةraquo; بين البلدين، قادها وكيل وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز مع وفد إيراني في سلطنة عُمان، منذ آذار الماضي، تُوِّجت باتفاق جنيف.

لكن وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا) نقلت عن laquo;مصدر مطلعraquo; في الخارجية الإيرانية نفيه تقرير laquo;أسوشييتد برسraquo;، متحدثاً عن laquo;فبركات إعلامية خاطئة وغامضةraquo;.
وتسعى إدارة أوباما إلى توسيع الفريق المكلف الملف الإيراني، إذ أكدت مصادر موثوقة لـ laquo;الحياةraquo; قرب تعيين بونيت تالوار، المستشار في البيت الأبيض الذي شارك في المفاوضات السرية، مسؤولاً لمكافحة الانتشار النووي في الخارجية الأميركية، وديفيد ماكوفسكي القريب من إسرائيل، في فريق عملية السلام الذي يقوده مارتن أنديك. كما كشفت المصادر عن سعي البيت الأبيض إلى تعيين الخبير في laquo;مجموعة الأزمات الدوليةraquo; روبرت مالي، مستشاراً لملفي إيران وسورية في البيت الأبيض، وهو كان قاد قناة غير رسمية سابقاً للحوار مع سورية وraquo;حماسraquo;.

وأشار وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إلى أن laquo;إيران قدّمت كثيراً من التنازلات والالتزاماتraquo;، لافتاً إلى أن عبارة تؤكد طهران أنها تعترف بحق في التخصيب، laquo;ليست في وثيقةraquo; الاتفاق.
ورحبت بالاتفاق سورية ودولة الإمارات العربية والبحرين وروسيا وفرنسا والعراق، فيما نسبت وكالة laquo;رويترزraquo; إلى عبد الله العسكر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي، قوله: laquo;أخشى أن تتخلى إيران عن شيء (في برنامجها النووي) لتنال شيئاً آخر من القوى الكبرى على صعيد السياسة الإقليميةraquo;.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فاعتبر أن ما تحقّق في جنيف laquo;ليس اتفاقاً تاريخياً، بل خطأً تاريخياًraquo;، فيما تحدث وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن laquo;أضخم انتصار ديبلوماسي لإيرانraquo;.