فاتح عبدالسلام

بعد ساعات من قمة سعودية قطرية كويتية في الرياض، خرج تسريب اعلامي نادر من السعودية يبدو رسميا، حين نقل مراسل وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر خليجي قوله ان انتقادات شديدة وجهتها الرياض الى قطر لتدخلها في مصر واليمن.
يفهم من هذا التصريح أن القمة التي توافرت على وساطة كويتية قد فشلت ضمن اعتبارات وتقويمات العاصمة المضيفة لها.
حين اندلع الربيع العربي كانت عواصم الخليج على خط واحد تقريبا من الترحيب الحذر أو المبالغ فيه بعملية التغيير فلم يكن أحد منهم يكّن وداً الى نظام حسني مبارك، لكنهم اختلفوا فيما بعد على البديل. وهو اختلاف مقاربات مشروع في التعاطي السياسي مع الشأن المصري لا يخضع طبعاً لاتفاقات مجلس التعاون الخليجي المشتركة برغم عدم فاعليتها أصلا. ليس من الضرورة أن تتبع قطر ذات العلاقة الضاربة في الشأن العربي رؤية السعودية ذات اليد الأقدم تغلغلا في الشؤون العربية حتى إن كانت السعودية دولة كبيرة بالقياس الخليجي والاقليمي والعربي.
ثمة تحويل قسري واضح لمسار وأسباب المشكلات العربية والاقليمية المستعصية الى مرجعية قطرية، كل ذلك يتم في ظل فوبيا الاخوان المسلمين. حتى كأنه يراد للمرء أن يظن مجبرا أن قطر أخطر على الرياض و سياساتها العربية من مشروع المليشيات الكبير الذي خرج من محدودية الدولة الواحدة ليضرب في سوريا كما في العراق ولبنان ثم ليمتد علنا الى السعودية، لذلك فان الخطر القطري بحسب ما يلحظه أي مراقب لتلميحات وتصريحات ومواقف سعودية هو أكبر بلا منازع من خطر قصف مليشيا تنطلق من العراق وبدعم ايراني سافر لأهداف داخل السعودية ولا أثر قوي لرد فعل يوازي هذا الانتهاك الكبير لسيادة بلاد الحرمين.
قصف المليشيات العراقية ليس رسالة تحذيرية للسعودية بسبب موقف معين من ايران أو البحرين وانما هو الشروع في المرحلة الأولى من اختبار قوة لارادات قبل الشروع بضرب السعودية عبر الأدوات غير الرسمية ومن دون أن تستطيع حصر المسؤولية ضد دولة محددة. واذا كانوا قد اخترعوا لواء أبو فضل العباس لانقاذ مرقد السيدة زينب في سوريا فمن السهل عليهم بعد اختبارات ناجحة من قصف جيش المختار أن يخترعوا تشكيلات غير رسمية تحمل لواء تحرير شهداء البقيع. مَن يهوى اغماض عيونه عن أخطار أقرب اليه من حبل الوريد هو فقط ذلك الذي يعمل على شيطنة قطر في كل ساعة وكل حين اذا كان ثمة قياس حسب الهوى للشيطنة والشياطين فالعرب كلهم شياطين.
حين ثار المصريون رفعوا شعار الشعب يريد اسقاط النظام وقد تراجعوا وهذا شأنهم. ليس انصافا أن تطالب كل الدول بالاصطفاف وراء أي موقف مصري لمجرد انه ضرورة تاريخية وفرصة لتصفية تيار اسلامي مكروه هنا ومحبوب هناك هو الاخوان.
داعمو تصفية الاخوان هم بنفس الدرجة في السلوك من داعمي تصفية الوهابية ومسمياتها المختلفة في العراق وسوريا ولبنان وسواها. اذا كانت شعارات الموجة الموجهة ضد الاخوان قد زغللت عيون معظم المصريين فان المراقب العربي لاسيما اذا كان بحجم دولة عظيمة كالسعودية يجب أن لا يتوهم أن زمن عبدالناصر سيبعث من جديد، واذا انزعجت مراكز قوى في الرياض مما سمته دورا قطريا في اليمن فلتذكر كيف كان تدخل حكم العسكر المصري المحبب لدى تلك المراكز في بلاد اليمن حين غزوها في الستينات من القرن الماضي.
الوضع العربي انقسامي وتشرذمي ومن المستحيل لّمه تحت شعار قومي واحد كما توهّم عبدالناصر وصدام حسين أكثر من مرة وهما الزعيمان الوحيدان اللذان غزيا بلدانا عربية خارج حدودهما تحت شعار القومية العربية وشاركهما تحت ستار الشرعية حافظ الأسد. وكذلك تفشل أية أحزاب دينية حين تنتهج نفس القراءة بأدوات جديدة.
قطر في عهد جديد وتسعى لرؤية مغايرة، وهي فرصة تاريخية لتقوية مجلس التعاون الخليجي المتضعضع فعليا وليست فرصة لتجديد خلافات مبنية على الكره والحب الشخصيين وليس مصالح الأمة. ومن ثم اجبار قطر على سلوك سياسات قررت هي ولم يجبرها أحد على مغادرتها.