محمد خلفان الصوافي


استوقفتني نقطتان في ندوة laquo;تداعيات سقوط الإسلام السياسيraquo; التي عقدت في جامعة الإمارات في مدينة العين في التاسع عشر من نوفمبر 2013. النقطة الأولى: المكان الذي انعقدت فيه الندوة؛ وهو laquo;البيئةraquo; المفضلة لنشر الأفكار، ليس في دولة الإمارات فقط، بل في كل الدول العربية. ولعل ما تشهده الجامعات المصرية حالياً من عمليات تدمير خير برهان على ذلك.

النقطة الثانية: أهمية وسائل الإعلام في أداء دورها في القضايا الكبرى التي تواجه الأمن الوطني، لاسيما في هذه القضية التي تعدٌّ أكبر تحد سياسي مر بدولة الإمارات منذ قيامها. وأعتقد أن أهمية دور الإعلام باعتباره سلطة لها نفوذها في المجتمع ظهرت في مصر خلال الفترة التي سبقت 30 يونيو الماضي؛ إذ كان الإعلام المصري شريكاً مهماً في إرجاع دولتهم إلى المصريين بعدما اختطفتها laquo;الجماعةraquo;.

أول تساؤل تداعى إلى ذهني عندما قرأت تفاصيل محور فشل laquo;الإخوانraquo; في الإمارات؛ السبب الذي دفع ببعض الأفراد من دولة الإمارات إلى التفكير في الانقلاب على النظام السياسي والتحريض على تغييره، كما حصل في تونس ومصر واليمن وليبيا؛ علماً بأن الأسباب الحقيقية للتغيير هناك كانت اقتصادية واجتماعية، فيما نحن في الإمارات لا نعانيها. لكن يبدو أن لدى البعض laquo;هوساًraquo; غير مبرر، فهم يريدون إسقاط أوضاع الآخرين على الدولة، ربما وفقاً لنظرية laquo;القطيعraquo;.

الندوة حملت جزءاً من الإجابة، وبيّنت أن أصحاب هذا الفكر على استعداد دائم لاستغلال كل الفرص التي يمكن أن تزعزع استقرار المجتمعات العربية لخلق البيئة المناسبة لنشر أفكارها والتغلغل في المجتمع؛ لذا فقد اعتقدوا خطأً أن فرصتهم تكمن في استغلال الأجواء العربية لخلق فوضى موازية في دولة الإمارات، لكنهم فشلوا، ومع مرور الأيام سقطوا في مصر. وفي تركيا هناك مؤشرات بحدوث انشقاق داخل laquo;حزب العدالة والتنميةraquo; الذي يقوده أردوغان.

في الإمارات هناك الكثير من البراهين والدلائل على تنامي حساسية مواطني الدولة ضد تيارات الإسلام السياسي، وربما كان الوضع كذلك في سائر الدول العربية، وكثيراً ما يشاركنا المقيمون في دولة الإمارات تلك الحساسية من منطلق عدم وجود سبب حقيقي لمثل هذا التفكير laquo;الشاذraquo; وبعدما لاحظوا الإساءة المقصودة ضد الوطن ورموز الدولة.

الشيء الذي يسعى إليه منتمو تيارات الإسلام السياسي هو أنهم لا يريدون من المواطن العربي أن ينشغل كثيراً بهموم وطنه ودولته. هم يريدون منه إما أن يفكر في انتماءات خارجة عن حدود الوطن، أو أن يفكر في القضايا التكفيرية والإقصائية للآخر، مع أن الأوطان والدول فيها من الاختلافات الفكرية والدينية الكثير.

وإذا أخذنا على الغرب مسألة دعمه لـlaquo;الإخوانraquo; في مصر، فإننا لابد أن نشير إلى دور الإعلام العربي في توضيح الصورة للرأي العام الغربي وعدم اقتصار تركيزه على مخاطبة الرأي العام المحلي فقط.

إن تبرير الغرب لتفسير دعمه laquo;الإخوانraquo; بأن الإعلام العربي كان يبرز أنهم جزء من حالة الحراك العربي وكان يشير إلى أنهم القوى البديلة والمقبولة من الشعوب العربية، وبالتالي ينبغي على الغرب التعايش والتأقلم مع رغبات الشعوب، لكنهم لم يدركوا حقيقة الأرضية التي يقف عليها الإسلاميون في المجتمع إلا الآن.

في هذه النقطة أتفق مع الرأي المطروح في laquo;الندوةraquo; من حيث تقصير الإعلام في توضيح الصورة للرأي العام. وهنا أريد أن أنبه إلى أننا في أحيان كثيرة عندما نركز على الرأي العام الداخلي دون النظر إلى أن هناك رأياً عاماً خارجياً يتابع قضايانا بدقة، نكون كمن يخاطب نفسه؛ لأن كثيراً من القضايا المحلية محل اتفاق فيما بيننا، وإن وُجد بعض من يختلف معنا في هذا الرأي فهم قلة.

النقطة المهمة التي ينبغي أن يلاحظها الإعلام العربي أن هناك قلقاً عربياً من تنامي ظاهرة الصراع على هوية المجتمع بعدما استطاع laquo;الإخوانraquo; تغيير دفة التحديات التي يفترض أن تواجهها الدول العربية.

لم تعد البطالة أو تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي أبرز ما يسيطر على المواطن العربي حالياً، بل الصراع في داخل الدول العربية هو: من تكون؟! إسلامي؟! ليبرالي؟! الصراع الطائفي والفكري هو القضية الأساسية الآن.

المسألة المهمة هنا أنه لابد للإعلام أن يوضح أن تقسيم المجتمع جاء نتيجة محاولات التيارات الإسلامية تصنيف المجتمع، وعلى المواطن العربي أن يعرف ذلك. أعتقد أننا لو طلبنا من المواطن العربي أن يصنف لنا أبرز التحديات التي تسيطر على مزاجه العام لوضع laquo;الإخوانraquo; في مقدمتها.

إذا كانت السنوات الماضية يمكن وصفها بأنها كانت laquo;ربيعاً عربياًraquo; لأنها كانت تحمل أملا للمواطن العربي في تغيير حياته اجتماعياً، فإن المستقبل القريب يشير إلى أن هناك صعوبات قادمة، وأنه ربما سيواجه صراعات داخلية. قد تكون هناك استثناءات لدول معينة، لكن الوضع العام يشير إلى أن الساحة السياسية تكتظ بالقتل المعنوي المتبادل على الأقل، وذلك لأسباب فكرية وانتماءات سياسية، ولابد من رصد هذه الظاهرة من أجل معالجتها إعلامياً، والسيطرة عليها قبل أن تستفحل أكثر.

إن أكبر تحدياتنا القادمة سيكون حول إدارة المعارك إعلامياً؛ ومثلما نجح الإعلام المصري في التعبئة العامة للوقوف ضد من أراد زعزعة الاستقرار الوطني، فسيكون علينا أن نركز في إعلامنا القادم على نقطيتين: الأولى؛ أن يكون لنا إعلام ينقل حقيقة موقف الرأي العام العربي؛ لأن الغرب يبني المواقف السياسية بناء على اتجاهات الرأي العام العربي. النقطة الثانية: التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها السلاح القادم، لاسيما أن سقف الحريات الإعلامية في هذه الوسائل لم يعد له حد!