إياد أبو شقرا

لأسباب مفهومة طغى نبأ تفاهم المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مع إيران بشأن ملفها النووي على غيره من الأخبار العالمية.

الملف النووي الإيراني مهم، أولا لأن له صلة ما بـlaquo;أسلحة الدمار الشاملraquo;، وثانيا لأن إيران ليست دولة عادية قليلة التأثير، وثالثا أن المنطقة التي تتوسطها إيران وتتفاعل معها من أكثر مناطق العالم توترا وخطورة.

بعض المراقبين كانوا منذ البداية يتوقعون التوصل إلى الاتفاق بعد التجديد لباراك أوباما في واشنطن وتصويت الإيرانيين لأكثر المرشحين - المسموح بالاقتراع لهم - اعتدالا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. بل كان المتابعون الجيدو الاطلاع على كواليس واشنطن على بيّنة من نيات أوباما وفريق مستشاريه الانفتاح على طهران، بالتوازي مع إغلاق كل النوافذ التي فتحتها الإدارات الأميركية السابقة، وآخرها إدارة جورج بوش الابن وlaquo;المحافظين الجددraquo;... وهبت منها رياح الشرق الأوسط الهوجاء.

ولا ننسى هنا، أساسا، أن أوباما رئيس laquo;ليبراليraquo; يعتز بأنه عقلاني ومفكر وأكاديمي، وتعززت عنده هذه الهالة مع منحه جائزة نوبل للسلام. ثم إنه استغل ضيق الشارع الأميركي بمغامرات سلفه فوعد الأميركيين خلال الحملة الانتخابية بسياسة laquo;لا تدخلraquo; وlaquo;لا مغامراتraquo; في الخارج.

المشكلة مع أوباما أن الشرق الأوسط اهتز في نهاية 2010 ومطلع 2011 بما وصفه الأميركيون - قبل غيرهم - بـlaquo;الربيع العربيraquo;. وتبين منذ ذلك الحين ليس فقط أن أوباما لم يكن جاهزا كما يفترض برئيس laquo;القوة العظمى الوحيدةraquo; للتعامل مع ذلك الحدث وتداعياته، بل ما كان لديه أي تصور واقعي أو أخلاقي لمعالجة مشاكل منطقة ظلت لعقود طويلة ذات أهمية استراتيجية للمصالح الأميركية.

بصرف النظر عن النفط العربي واهتمام واشنطن به منذ الثلث الأول من القرن العشرين، كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بقيام دولة إسرائيل في قلب المشرق العربي عام 1948، كما كان للمنطقة - بما فيها إيران وتركيا - دور مهم إبان فترة laquo;الحرب الباردةraquo; مع سياسة الأحلاف الهادفة إلى احتواء الشيوعية، وتحديدا، مع laquo;حلف بغدادraquo; (السنتو لاحقا).

وفي مرحلة laquo;حرب السويسraquo; ورثت الولايات المتحدة النفوذ البريطاني، والغربي عموما، وحرصت على الاحتفاظ بنفوذ لها في وجه التحدي السوفياتي المتوسع في العالم الثالث.

وأخيرا لا آخرا لعب laquo;الإسلام السياسيraquo; الذي شجّعته واشنطن في وجه الشيوعية ووظّفته في معركتها لإسقاط الحقبة السوفياتية ابتداء من أرض أفغانستان، دورا حاسما في كسبها أحاديتها العالمية على أنقاض الخصم الشيوعي القديم.

ما أقصده أن منطقة الشرق الأوسط، بالذات، منطقة مهمة لمن يريد استغلالها والاستفادة منها، وأيضا بؤرة خطيرة لمن يهمل تعقيداتها المتراكمة. ولكن الرئيس أوباما، على ما يبدو، اختار إما نفض يده منها وتركها لمصيرها، أو ndash; وهذا هو laquo;السيناريوraquo; الأسوأ ndash; قرر أن laquo;يلزمهاraquo; تلزيما للنظام الحالي في إيران.

المصالح الأميركية، طبعا، شأن أميركي وليس لأحد أن يزايد على رئيس أميركا فيه. ثم إن لكل إدارة أميركية أولوياتها السياسية، وبالأخص، مع إبلال البلاد ببطء من إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها. غير أن للقوى الكبرى التزامات وتحالفات إقليمية، كما أن لها مصالح وامتدادات ثقافية وسياسية واقتصادية، ولا بد أن تتأثر بطريقة أو بأخرى عندما تقرر إدارة تغيير أولوياتها من دون مراعاة مصالح حلفائها الإقليميين أو الاكتراث بهواجسهم.

وهنا، ينبغي التأكيد على أن الشعب الإيراني عانى ويعاني من العقوبات الدولية المفروضة، ومن حقّه كما هو من حق أي شعب من شعوب العالم التمتع بخيرات أرضه. لا يجوز إنسانيا أن يعاني الشعب الإيراني إلى ما لا نهاية من الحرمان.. وهو الذي يعيش في إحدى أغنى دول العالم وأجملها وأعرقها حضارة.

ولكن، وفق المنطق ذاته، هذا الشعب الصابر يعاني من وطأة نظام متشدد تطغى عليه بصورة متزايدة التيارات الأمنية وتصادر خياراته تكتلات موغلة في محافظتها. وهو وفق كل تقارير المنظمات الدولية متعسف ضد المعارضة الداخلية، حتى أولئك الذين كانوا حتى الأمس القريب من أركان الدولة، ويمارس التمييز ضد الأقليات العرقية والدينية.

وخارج حدود إيران، يمارس هذا النظام التدخل المسلّح السافر ويحضّ على الفتنة الطائفية في عدد من الدول المجاورة. وهو اليوم يفرض احتلالا فعليا على ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان، ويحرض على العنف الطائفي في دول أخرى. ثم إنه يثير حساسيات مذهبية ودينية تستفيد منها في المقام الأول جماعات متشددة، بل هو في حالات كثيرة laquo;يكفرهاraquo; ويجندها... ويقاتلها ويرعاها في آن معا.

مرة أخرى، من حق الشعب الإيراني أن يعيش كريما في وطنه. وأيضا من حق دولة بحجم إيران أن تطور أي تقنية للاستخدام السلمي مثلها مثل أي دولة، ولا سيما أن ثمة دولا مجاورة طورت بالفعل قدرات نووية ولديها راهنا مخزون من السلاح النووي.

المشكلة الوحيدة التي يثيرها التفاهم النووي مع إيران هو أنه لم يأخذ التصرفات السياسية لسلطاتها الحاكمة بعين الاعتبار. وهذا أمر يفاقمه نقص الشفافية في مقاربة laquo;إعادة تأهيلraquo; طهران سياسيا، بينما هي منغمسة في حرب أهلية مدمرة في سوريا، وعلى وشك تحويل كل من العراق ولبنان إلى دولتين فاشلتين.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي لا يفوت أي فرصة لشكر روسيا على laquo;تسهيلهاraquo; التوصل إلى تسوية ملف السلاح الكيماوي السوري، ثم اليوم الملف النووي الإيراني، يسعى جهده لطمأنة أصدقاء واشنطن وحلفائها الإقليميين. غير أن مشكلة كيري، ومن خلفه رئيسه، أنهما فاجآ بعض الحلفاء الأوروبيين في استجداء الصفقة مع طهران. وكذلك باغتا إسرائيل، حليف واشنطن الأول في الشرق الأوسط.

أمام هذا الواقع غير السار ستجد واشنطن صعوبة كبرى في إقناع المتابع العاقل بتعهداتها. ولئن كانت قد وصفت فترة الأشهر الست المقبلة على أنها فترة laquo;اختبار نياتraquo; لإيران، فإن طي صفحة نظام الأسد ورسم حدود لطموحات إيران الإقليمية يشكلان الاختبار الأكبر لنيات واشنطن.