فاروق جويدة

في الوقت الذي تشتعل فيه الصراعات والمعارك بين الحركات والتيارات الإسلامية في بلاد المسلمين حيث يكفرون بعضهم بعضاrlm;..rlm;

وفي الوقت الذي يسعي الغرب الي تقسيم المسلمين ما بين السنة والشيعة بما يهدد مستقبل العالم الإسلامي.. وفي الوقت الذي يعاني فيه المسلمون ظروفا اقتصادية وانسانية صعبة امام نظم سياسية مستبدة وصراع سياسي بغيض يتستر وراء الدين وسط هذا كله خرجت علينا من وسط افريقيا القارة السوداء قلب العالم واقدم اراضيه صيحة عجيبة في انجولا بحظر الدين الإسلامي بين مواطنيها, وتقوم الحكومة الأنجولية بهدم60 مسجدا مرة واحدة ثم تمنع المسلمين من اقامة شعائرهم تحت دعوي محاربة التطرف الإسلامي.. ولم يتردد رئيس انجولا سانتوس بأن يعلن نهاية النفوذ الإسلامي في بلاده..
لا شك ان هذا الحدث الرهيب يمثل تحولا خطيرا في التاريخ الإسلامي العقيدة والأثر والقيمة.. قد يقول البعض ان الإسلام ليس في حاجة الي90 الف مسلم يعيشون في انجولا بينما ينتشر في ربوع الأرض اكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
ولكن هذه الآلاف التي فرضت عليها السلطات في انجولا ان تخرج عن دينها وتمنعها من ممارسة شعائره تمثل حدثا رهيبا في تاريخ المسلمين يعيد الي الأذهان طردهم من الأندلس بعد قرون طويلة هناك غموض شديد يحيط بما يجري للمسلمين في انجولا هناك من ينفي ما حدث وهناك من يؤكده ولكن في كل الحالات نحن امام واقع يفرض نفسه وهو ان المسلمين في محنة وهم انفسهم يتحملون مسئوليتها.
قبل ان نتحدث عن نتائج هذا الموقف الغريب من الدولة الأفريقية يجب اولا ان نتوقف عند الأسباب التي شوهت صورة الإسلام امام العالم وما هي مسئولية المسلمين انفسهم عن ذلك.
lt; في السنوات الماضية وامام سطوة الإعلام وجبروت وسائل الاتصال في السرعة والتأثير وتغيير المفاهيم والثوابت تعرض الإسلام الدين والعقيدة لحملة شرسة في الإعلام الغربي ابتداء بتنظيم القاعدة في افغانستان وانتهاء بأحداث11 سبتمبر وكيف استغلتها امريكا لاحتلال العراق وافغانستان وفرض سيطرتها علي دولتين اسلاميتين في قلب آسيا.. ولم تكتف امريكا بذلك بل انها حاصرت ايران الدولة الشيعية وفرضت عليها عقوبات صارمة وشوهت صورتها امام العالم كله.. كان الهدف من ذلك كله هو تغيير مفاهيم شعوب العالم عن الإسلام خاصة امام شواهد كثيرة كانت تؤكد ان الإسلام ينتشر في العالم بصورة غير مسبوقة.. وامام معركة الإعلام الغربي ضد الإسلام كانت هناك معركة اخري قامت بها مؤسسات دولية كبري دفعت بملايين المسلمين الي تغيير عقيدتهم والخروج من الإسلام امام إغراءات مادية رهيبة حتي ان بعض التقديرات تؤكد ان في نيجيريا اكثر من20 مليون مسلم غيروا عقيدتهم وهي اكبر دولة إسلامية في افريقيا بجانب20 مليونا آخرين تركوا الإسلام في اندونيسيا واعتنقوا ديانات اخري رغم ان اندونيسيا هي اكبر دولة إسلامية في العالم..
lt; لم يكن الإعلام الغربي وسياسات دوله هي السبب الرئيسي الوحيد في تراجع المد الإسلامي او تشويه صورته ولكن ساعد علي ذلك نظم سياسية قمعية استخدمها الغرب لتحقيق اهدافه واستمرار سيطرته علي هذه الدول.. لقد استخدم الغرب الحكام المسلمين في تحقيق مصالحه وساند نظما سياسية مارست كل الوان الاستبداد علي شعوبها فنهبت ثرواته واستعبدت شعوبه واصبحت مجرد ادوات في يد الغرب.. وقد ترتب علي ذلك سوء احوال الشعوب الإسلامية وتخلفها في كل المجالات بحيث انقسم العالم الي قوي ضعيفة متهالكة يمثلها العالم الإسلامي وقوي أخري صاعدة متطورة تمثلها العقائد الأخري وكان من السهل امام هذا التناقض ان يلقي البعض مسئولية تخلف الشعوب الإسلامية علي عقيدتها وليس علي حكامها المستبدين, او الغرب بكراهيته الشديدة ومؤامراته المتعددة.
lt; امام ظروف الفقر والتخلف ظهرت امراض اجتماعية كثيرة في العالم الإسلامي كان اخطرها الجهل والأمراض فتراجعت نظم التعليم وتخلفت اساليب الحياة بما فيها الصحة وانتشرت الأمية وتحولت هذه الأمراض الاجتماعية الي عوامل هدم في مكونات وثوابت الشعوب الإسلامية وكان من السهل ان يلقي البعض مسئولية ذلك كله علي الإسلام الدين والعقيدة والشرائع.
lt; امام الفقر سادت الصراعات بين ابناء الوطن الواحد وكانت النتيجة الهروب الواضح من روح العصر الي سراديب بعيدة من التدين الكاذب وهنا سيطرت لعنة الانقسامات بين الطوائف الدينية علي المجتمعات الإسلامية وكان من السهل ان تنتشر امراض الفكر وتوابع التخلف بحيث خرجت بعض الفصائل الدينية التي ترفع راية الإسلام من العصر كله رافضة كل ما وصلت اليه الحضارة الإنسانية من مظاهر التقدم في كل مجالات الحياة.. وتحولت بعض المجتمعات الإسلامية الي حشود بشرية تتصارع فيما بينها حتي وصلت الي الصراعات الدينية والإنقسامات بين ابناء الوطن الواحد والدين الواحد.
lt; رغم كل مظاهر التخلف الاجتماعي والحضاري والفكري التي اصابت المجتمعات الإسلامية فقد ظهرت نبوءات لدي رموز كثيرة ان المسلمين قادمون, ونبهت هذه النبواءات الي ان العالم الإسلامي قادر بتاريخه الحضاري علي ان يستعيد امجاد الماضي وكان من اوائل من نبه الي ذلك الرئيس نيكسون صاحب فضيحة ووترجيت حين اصدر كتابه انتهزوا الفرصة وحذر فيه من ان الإسلام قادم بعد ان اختفي الاتحاد السوفيتي واكد انه لا يخاف من المد الأصفر الصيني لكنه يخشي المد الأخضر الإسلامي.. هنا بدأت رحلة المؤامرات العالمية ضد الإسلام والمسلمين.. صحيح انها بدأت بإقامة وطن لليهود في فلسطين ولكن كانت هناك محاولات لتقطيع كل الجسور بين الدول الإسلامية فكان احتلال العراق.. ثم افغانستان.. ثم ما حدث في اليمن والصومال والجزائر من صراعات عرقية حركتها اياد خفية لا شك ان دعوة الرئيس نيكسون وجدت استجابة لدي دائرة صنع القرار في امريكا وهي ضرورة تفتيت العالم الإسلامي بحيث لا يجتمع علي كلمة واحدة.
lt; علي جانب آخر سعت قوي الشر الي اختراق التيارات والقوي الإسلامية وتسخيرها لتحقيق مصالحها او علي الأقل بث الفتنة بين ابناء المجتمع الواحد كلنا ما زال يذكر ان تنظيم القاعدة قد نشأ في احضان المخابرات الأمريكية وتحت رعاية البيت الأبيض ليواجه الاتحاد السوفيتي في افغانستان وقد نجح في ذلك حتي انتهي الأمر بسقوط الاتحاد السوفيتي.. وقد تلقي تنظيم القاعدة دعما ماليا رهيبا من معظم الدول الإسلامية الغنية بإيعاز من امريكا بل ان اعضاء القاعدة الذين حاربوا في افغانستان كانوا اساس التنظيمات الإرهابية التي ظهرت بعد ذلك في العالم كله.. وهنا تسربت اجهزة المخابرات الغربية الي الحركات الإسلامية في دول العالم وحركتها حسب مصالحها واهوائها حتي تكشفت كل هذه الحقائق في السنوات الماضية حين اتضح امام العالم ان الحركات الإسلامية لم تكن بالشفافية المطلوبة وانها خانت اوطانها حين استخدمتها قوي الشر لتحقيق مصالحها..
lt; تبدو الصورة امامنا الآن في اسوأ مشاهدها حيث تجسدت صورة الصراع السياسي في الدول الإسلامية بين جماعات دينية رفعت راية الإسلام وساءت علاقاتها بالمجتمع الإسلامي حتي تحولت الي حروب ومعارك وانقسامات داخلية وصلت الي الحروب الأهلية كما حدث في العراق بعد احتلاله وكما حدث في الصومال بين الطوائف الدينية والعرقية ثم كانت الجزائر وسنوات طويلة من الصراع الدامي بين الجيش وقوي الإرهاب.. وازدادت الأزمة تعقيدا بعد ثورات الربيع العربي حيث قفزت التيارات الدينية علي السلطة وحاولت فرض اشكال جديدة من الاستبداد باسم الدين فكانت تجربة الإخوان المسلمين في مصر وتونس وكانت الحرب الأهلية في سوريا وقبل ذلك كله كان انقسام الشعب الفلسطيني الي فصائل دينية امام العدو الإسرائيلي.. ان الصراع السياسي في معظم الدول الإسلامية قد حملت صورا كثيرة من التفكك والضياع امام تيارات دينية متصارعة ونخبة سياسية مفككة وواقع سياسي كريه.
lt; الخلاصة ان المسلمين يدفعون الآن ثمن اخطاء دينية وسياسية وحضارية وان حالة الانقسام والتمزق التي وصلت بالتيارات الإسلامية الي صراعات دامية تحولت الي اسوأ صور الإرهاب, وهذه الشواهد كلها انتهت بالشارع الإسلامي بشعوبه وتنظيماته وتياراته وقواه السياسية الي حالة من التفكك والترهل امام الفقر والجوع والتخلف.. هنا يمكن ان يجد المسئولون في انجولا او غيرها مبررا لإبعاد المسلمين عن مسيرتهم لأنهم لن يبنوا وطنا بالفتن والصراعات والحروب القبلية خاصة ان هذه الدول يحكمها نظام قبلي عتيق.. ان هذه الدول تخشي علي نفسها من حروب الانقسامات وقد عانت منها افريقيا زمنا طويلا وقد انتهت من هذه المراحل وبدأت تنظر لمستقبل آخر ابعد ما يكون عن الفتن والمعارك.. ولآن المسلمين الأن يمثلون اسوأ حالات الانقسام بين شعوبهم ولأنهم استخدموا الدين السياسي وسيلة للوصول الي السلطة فخسروا الإثنين معا الدين والسياسة من اجل هذا قررت انجولا هدم المساجد وإيقاف الصلوات.. وربما نجد علي باب مسجد من هذه المساجد بيت الشعر الذي مازال مرسوما علي اطلال مساجد الأندلس.. تبكي بكاء النساء علي ملك لم تحافظ عليه مثل الرجال..
علي نخبة الإسلام السياسي ان تراجع تاريخها المعاصر فقد اساءت كثيرا لشعوبها واساءت اكثر لدينها حين تحولت الدعوة من السماحة الي الإرهاب وتحولت العقيدة من رسالة سماوية عظيمة الي احزاب وفصائل سياسية اغرقت نفسها وشعوبها في بحار من الدم والفتن.
ان الإسلام برئ مما فعل ابناؤه ولكن الشيء المؤكد ان المسلمين هم الذين اساءوا لدينهم وهم الذين يدفعون الآن ثمن الإنقسامات والعنف والتطرف الذي اغرقهم في مستنقعات الإرهاب..