عبد الغفار حسين

وصف الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات العلاقات بين الإمارات وإيران بأنها علاقات قديمة وتاريخية .
والحقيقة أن الشيخ عبدالله مصيب كل الصواب في ما قاله، فالعلاقات بين البلدين تضرب بجذورها في عمق التاريخ، وتعود إلى العهد الساساني قبل ظهور الإسلام بأكثر من ثلاثمئة عام، فمن جلفار التي هي رأس الخيمة وما حولها في الإمارات خرجت أعداد هائلة من المسلمين العرب وممن اعتنق الإسلام من الفرس لفتح بلاد فارس على الضفة الفارسية من الخليج وتوغلوا في العمق إلى كرمان وشرقاً إلى مكران في بلوشستان وجوادر وإلى الغرب حتى جنابه على تخوم بوشهر الحالية، وشمالاً حتى تخوم شيراز . وفي القرن السادس عشر الميلادي، حارب جنود من الإمارات جنباً إلى جنب مع جنود الشاه عباس الصفوي بمعاونة الإنجليز، فطردوا البرتغاليين من موانئ هرمز وماجاورها كجزيرة قشم أو جسم وهنجامة ولارك التي تقع في فم مضيق هرمز عند مدخل الخليج من بحر عمان .


وفي أواخر القرن التاسع عشر، أعان الشيخ زايد بن خليفة السلطات الفارسية في استعادة سيطرتها على الموانئ الفارسية في الخليج والتي كانت تخضع في ادارتها للأجانب من هولنديين وبلجيكيين وغيرهم، وذكر عن هذه الأعانة الحاج أحمد خان البندعباسي في كتابه quot;أعلام الناس في أحوال بندر عباسquot;، وفي السبعينات من القرن المنصرم اشترك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إعانة عمان مع الإنجليز وإيران في محاربة الشيوعية المتمثلة في المنظمات الإرهابية المدعومة من الراديكالية العربية وغيرها، ومركزها جنوب اليمن، وكانت هذه الإعانة القوية من الأسباب الأساسية التي دعمت الشرعية في سلطنة عمان .
وما من شك أن هذا التعاون المثمر كان من أجل خير الضفتين الخليجتين العربية والفارسية والحيلولة دون وقوعها في براثن الفتن والمحن، وكذلك فإن هذا التعاون دليل على أن أمن الخليج ومياهه أمن مشترك ولا يستقيم هذا الأمن إلا بالتكاتف بين الدول المطلة على ضفافه .


وتفعل دولة الإمارات حسناً في محاولاتها الدبلوماسية لجعل التقارب بين الإمارات وإيران أمراً واقعاً، فمثل هذا التقارب هو لمصلحة البلدين ولمصلحة الشعب الخليجي بصفة عامة، سواء العرب منهم على ضفافهم العربية أو الإيرانيين على الضفاف الفارسية الذين تربطهم بالخليجيين صلات من الوشائج من الصعب انفصالها .
ولابد لنا من الأخذ بعين الاعتبار أن الاستراتيجية الإقليمية تقتضي التعاون المثمر بين دول الخليج العربية وإيران عامة وبين الإمارات وإيران بصفة خاصة، ومما يثير الاستحسان أن نرى الاهتمام بهذه الاستراتيجية قائماً من القيادة الإماراتية التي لا تعتبر حقوقها المشروعة في الجزر المحتلة من قبل إيران، حائلاً دون هذا التعاون . .
وما زيارة الشيخ عبدالله بن زايد الأخيرة إلى إيران واشتراكه في افتتاح مبنى السفارة الإماراتية الجديد، إلا عمل من أعمال الدبلوماسية المتزنة والوقورة .
ومن الطبيعي أن تثير مثل هذه الزيارات تعليقات في الأوساط الإعلامية، ولاسيما حول شخصية ذات ثقافة سياسية عالية، مثل الشيخ عبدالله بن زايد، ويأتي بعض هذه التعليقات متسمة بعدم الاتزان، ولكن ذلك لا يعني مطلقاً أن يثبط من عزيمة الاستمرار في النهج المعتدل والإيجابي الذي تتبعه دولة الإمارات في علاقاتها مع سائر الدول، ولاسيما الدول الإقليمية ومن بينها الجمهورية الإسلامية الإيرانية . وفي رأيي أن على الجميع مباركة السياسة الإيرانية الجديدة المعتدلة في التعامل مع القلق الذي يساور المجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي، وكذلك التفاؤل بالخير من لهجة الخطاب الإيراني الجديد ذي البعد الإيجابي البعيد عن التشنج والعصبية .