محمد خروب


في جملة ما يحاول المحللون الانتباه اليه, برز في المشهد الاقليمي ما يمكن وصفه بالاستدارة التركية عن المواقف السياسية والدبلوماسية, التي انتهجتها حكومة رجب طيب اردوغان في السنوات الثلاث الماضية, وبخاصة تجاه الازمة السورية التي رأى اردوغان فرصة سانحة لتمرير مشروعه العثماني الجديد, والبدء في وضع الصفقة التي عقدها مع واشنطن لاعتماد حركات الاسلام laquo;المعتدلraquo; في العالم العربي (خصوصاً الدول التي شهدت للتو ثورات نسبوها الى فصل الربيع) بديلاً للانظمة الديكتاتورية في المنطقة ورسا العطاء الاردوغاني بالطبع على حلفائه (إقرأ إخوانه) جماعات الاخوان المسلمين laquo;العربيةraquo;, التي يأتي على رأس جدول اعمالها شطب فكرة العروبة والعمل لصالح الأممية الاسلامية..
نقول: في جملة الاهتمامات الراهنة التي فرضتها متغيرات دولية واقليمية, كان آخرها جنيف الايراني الذي سبقه الاتفاق الكيميائي الروسي الاميركي السوري, ولاحقاً اتفاق موسكو وواشنطن على 22 كانون الثاني الوشيك موعداً لانعقاد جنيف 2, لفتت حركة الدبلوماسية التركية في اتجاه بغداد وخصوصاً طهران, التي قال فيها احمد داود اوغلو (وما ادراك ما قارفه هذا الاكاديمي laquo;الاستراتيجيraquo;).. كلاماً يكاد الذين تجمعهم علاقات تحالف استراتيجي عميقة, ان يتريثوا طويلاً قبل الادلاء به, في ظل علم الجميع بأن التنافس (ان لم نقل الصراع) الايراني التركي (أو الفارسي العثماني إن شئت) تاريخي ومفتوح وraquo;مستدامraquo;, حتى لو استحضر الطرفان لنا المقولة الذهبية التي لم تفقد بريقها, رغم laquo;عمرهاraquo; الطويل: ان لا صداقات دائمة كذلك لا عداءات دائمة, انما هي المصالح التي تحكم علاقات الدول في عصرنا..
وإذ بدأ هؤلاء يطرحون قراءات وتصورات عمّا يمكن للدفء الجديد والمفاجئ الذي بدا يتراءى في علاقات انقرة بكل من بغداد وما رشح عن زيارة قريبة لنوري المالكي لانقرة، ناهيك عن زيارة الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني الى العاصمة التركية منتصف هذا الشهر، جاء التوقيع على الاتفاقية النفطية الغازيّة, بين اردوغان ونيجرفان برزاني او لنقل بين اقليم كردستان الذي هو جزء من الدولة العراقية (حتى الان على الاقل) وبين حكومة حزب العدالة والتنمية التركي، ليعصف بكثير من الاستنتاجات والتوقعات التي سارع كثيرون الى التنبؤ بها، بل واعتبارها احداثاً تأسيسية لعصر ما بعد التوافق الاميركي الروسي الذي تكرس ليس فقط بدءا من اتفاق جنيف1 بل وايضا بعد الاتفاق الكيماوي السوري والنووي الايراني.
اين من هنا؟
نوري المالكي اول الغاضبين والرافضين لهذه الاتفاقية التي وصفها مسؤول تركي بانها laquo;اكثر اتفاقات الطاقة شمولية في تاريخ الطاقةraquo;.. ولهذا تبدو العلاقات بين الاطراف الثلاثة بغداد (كحكومة مركز) واربيل كعاصمة لاقليم الحكم الذاتي في كردستان وانقرة التركية, مرشحة لمزيد من التوتر وربما الانزلاق الى ما هو اسوأ وبخاصة ان قبول بغداد بالامر الواقع التي تحاول الاتفاقية تكريسه, سيشكل سابقة, لن تستطيع بغداد الاعتراض على ما يتلوها من اتفاقات قد تلجأ اليها ارييل, على ما هو أبعد من الصعيد النفطي كالدفاع والتسليح وصولا الى laquo;الاستقلالraquo; الذي اخذت laquo;فكرتهraquo; زخما اوسع واكبر بعد الازمة السورية وقيام الادارة الذاتية في غرب كردستان (التي اعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي السوري بقيادة صالح مسلم وحلفاؤه في المناطق الكردية السورية).
لن تنجح زيارة رئيس الوزراء الكردستاني الوشيكة لبغداد في تبديد مخاوف المالكي وحكومته من المخاطر والمخاوف التي سبق وان اعلنوا عنها تبريرا لرفضهم اتفاقا كهذا, كانوا انتقدوا بحدة وتهديد اتفاقات بيع وتنقيب سابقة اقل خطورة من هذه الاتفاقية الشاملة, كما لن تُسهم خطوة حكومة اردوغان في laquo;الاحتفاظraquo; بعوائد شراء النفط laquo;الكرديraquo; الى حين الاتفاق على نسبة توزيعه بين بغداد واربيل.
هل ينجح اذاً نوري المالكي في اطاحة الاتفاق وإجبار برزاني واردوغان التراجع عن توقيعهما؟
الجواب السريع الذي لا يُشكل مغامرة هو انه (المالكي) لن ينجح في laquo;كسر العنادraquo; الكردي التركي, لكن العلاقات بين الاطراف الثلاثة ستكون - منذ الان-قد بدأت رحلة الصعود الى المواجهة, وربما تصل الى المواجهة العسكرية..
الانتظار لن يطول..