صالح القلاب

لم يُفصح أصحاب laquo;زمزمraquo;، والإسم جميلٌ لكنه غير ملائم، عما أرادوه عندما أعلنوا عن أنفسهم.. هل إنهم أرادوا إصلاح الإخوان المسلمين تحت ضغط التهديد بالإنقسام أم أنهم أرادوا منذ البدايات أنْ يكون لهم تنظيمهم الخاص لكنهم حرصوا على أن يبقوا داخل هذه الجماعة أم على حافتها من أجل إستقطاب المزيد من أعضائها ومن قياداتها وفقاً لنظرية التفجير المتسلسل الذي ضرب كل الأحزاب التي تشكلت في القرن الماضي الإسلاموية والقومية واليسارية..؟!
لكن ورغم عدم الإفصاح هذا مع البقاء على حافة التنظيم أي تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ووجه عملتهم الآخر: laquo;جبهة العمل الإسلاميraquo; فقد كان واضحاً أنَّ laquo;زمزمraquo; هذه هي عنوان فراق بين هذه laquo;الجماعةraquo; وبين laquo;المتزمزمينraquo; الذين باتوا يشعرون أنه لم يعد له مكانٌ في laquo;جماعةٍraquo; مرَّ على إنشائها كل هذه السنوات الطويلة ومرَّ على بلدنا، المملكة الأردنية الهاشمية، وعلى منطقتنا العربية تحولات هائلة لكنها بقيت متيبسة وتحشر نفسها تنظيمياً وسياسياً في صيغة لم تعد ملائمة لهذا العصر وباتت غريبة على أجيال ثورة تقنية المعلومات التي غيرت العالم بأسره.
وهكذا فقد كان على شيوخ الإخوان المسلمين laquo;الأجلاَّءraquo; الذين كانوا يغرقون في أحلام الوصول إلى السلطة ويرفعون شعار: laquo;إننا قادمونraquo; أن يدركوا أنَّ laquo;زمزمraquo; لا هي صناعة مخابراتية معادية ولا هي مجرد نزوة مجموعة من الإخوانيين الذين لم يعد بإمكانهم الإستمرار بحشر أنفسهم في laquo;دشداشةraquo; غدت بالية وتجاوزتها حركة التاريخ بل هي دلالة على أنَّ هذه laquo;الجماعةraquo; أصبحت على مفترق طرق وأنه سيصيبها حتماً ما أصاب الأحزاب القومية واليسارية إن هي لم تبادر إلى إصلاح نفسها من الداخل لتستطيع التلاؤم مع مجتمع طرأت عليه تغيرات كثيرة ولم يعد نفس مجتمع عام 1928 و1946 الذي يواصل laquo;الإخوانraquo; الإصرار على حشر أنفسهم وتنظيمهم وأجيالهم الجديدة الصاعدة فيه.
أنا أتحدث بهذه الطريقة ليس من قبيل الشماتة، لا سمح الله، بل من قبيل الحرص على ألاَّ يتفجر هذا التنظيم التاريخي، الذي لم ينجز أي شيء على الإطلاق سوى الشعارات وسوى laquo;اللَّطمraquo; والبكائيات على طريقة إخواننا laquo;الشيعةraquo;، كما تفجرت الأحزاب القومية وبخاصة حزب البعث العربي الإشتراكي وحركة القوميين العرب والأحزاب اليسارية والماركسية اللينينية والمقصود هنا هو الحزب الشيوعي وتحولت إلى بقايا هذه الأشلاء التي تشغل نفسها وتشغل من بقي فيها ومن لا يزال يسمع بها ويستمع إليها بإجترار الشعارات البراقة القديمة والتغني بماضٍ لا يوجد أسوأ منه إلاَّ هذا الذي نراه في العراق وفي سوريا وفي اليمن الجنوبي، حيث أصبح القومي الماركسي علي سالم البيض تابعاً لحزب الله ولحسن نصر الله وlaquo;مُقلِّداًraquo; للولي الفقيه، وأيضاً في روسيا الإتحادية التي قامت على أشلاء الإتحاد السوفياتي الذي ثبت أنه لم يكن عظيماً.. ولا هُمْ يحزنون!
لم يستطع حزب البعث الذي حكم إثنتين من أهم الدول العربية، هما العراق وسوريا، الحفاظ على وحدته التنظيمية وهو الذي يرفع شعار: laquo;أمة عربية واحدةraquo; ولم تستطع حركة القوميين العرب أن تصمد في وجه متغيرات وتحديات هزيمة حزيران في عام 1967 ولعل ما يدل على الإرتباك أن فرعها الفلسطيني قد تحول إلى تنظيم فدائي هو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي laquo;أنجبتraquo; عدداً من التنظيمات التي بدورها قد أنجبت جبهات وتنظيمات جديدة وأن فرعها اللبناني قد تحول إلى تنظيم إنتهى ماركسياً لينينياً بدون لا ماركسيين ولا لينينيين وهذا ما حصل في اليمن الجنوبي حيث تذابح laquo;الرفاقraquo; على أسس عشائرية وقبائلية وجهوية إلى أن أفنوا بعضهم بعضاً وإنتهى من بقي منهم إلى الإحتماء بظلِّ الولي الفقيه.. أدام الله ظله!
وكل هذا من المفترض أن يتعلم منه الإخوان المسلمون الشيء الكثير وأن يبادر تنظيمهم العالمي، بعد سقوط تجربتهم في مصر التي قادها إلى الهلاك التنظيم الأم، إلى مراجعة هذه التجربة وتجربة تنظيماتهم كلها ومن بينها تنظيمهم في الأردن لكنهم لم يفعلوا هذا وأختاروا الإنخراط في المكابرات الفارغة والإنشغال في البكاء على قدح اللبن المسكوب كما إنشغل البرامكة في بكائياتهم الشهيرة بعد مذبحتهم المعروفة.. إنه على الإخوان أن يدركوا أنهم حتى وإنْ وقعت معجزة وإستطاعوا إسترجاع حكمهم القصير العمر الذي كان مجرد لحظة تاريخية عابرة فإنهم لن يستطيعوا المحافظة عليه وأنهم سيخسرونه مجدداً بالتأكيد لأنهم لم يبادروا إلى وقفة مع الذات وإلى مراجعة واعية لمسيرة بائسة أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه وبقوا يشغلون أنفسهم وتنظيماتهم الدولية بحركات بهلوانية عنوانها شعار: laquo;رابعة العدويةraquo; والشتائم التي يوجهها رجب طيب أردوغان إلى الجنرال السيسي!