عبد العزيز قاسم


من الخطوات اللازمة اليوم؛ الشروع الفوري في استخدام الطاقة النووية، وإشهار ذلك في الإعلام وأمام سمع العالم وبصره، فلماذا يسمح العالم ويعترف لإيران باستخدامها ndash;وإسرائيل قبلها- ويحرم العرب منها

quot;من يملك القوة يملك الحقquot;، هتفت بهذه العبارة التي اختلف عليها فلاسفة العالم، حال سماعي للاتفاقية المدوية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، ولكأنها طعنة نجلاء خاتلنا بها أوباما.
لا لوم ولا تثريب على ما فعله الرئيس الأميركي، فالرجل يبحث عن مصلحة بلاده بالدرجة الأولى، وهذا حال عالم السياسة، حيث تسيرها البراغماتية النفعية وليس شيء غيرها، فترى عدو الأمس، صديق اليوم، وما سطره ميكافيلي في كتابه الأشهر quot;الأميرquot; هو من يحكم عالم السياسة الغربية، دون اعتبار لصديق له تاريخه ومواقفه معك.
إيران هي التي نجحت وغنمت أيّما غنائم من اتفاقيتها الأخيرة مع الغرب، فالاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم، وقبول العالم الغربي بهذا الواقع، هو مكسب ليس بالهيّن أبدا، فيما بتنا كدول خليجية أمام واقع مرّ لا مفر منه، والعالم الغربي لكأنه يتجـه لإعادة إيران كشرطي المنطقة، بما كانت عليه أيام الشاه رضا بهلوي، بينما بقية الدول العربية تلوك حسرتها، بفعل هذه الخطوة الصادمة.
ما الواجب الذي علينا أن نفعله اليوم، بعد هذه الصفعة المدوية من الحليف الرئيس لدول الخليج؟ بتصوري أن ترتيب البيت الداخلي هو أولوية قصوى، وقد صعقتنا دولة عمان بدورها الرئيس في الاتفاقية الأخيرة، عبر وساطة لها ثقلها، وفعلا كان هذا الدور محيرا لكل من كتب في هذه المسألة، ولأساطين المحللين السياسيين الذين تعجبوا منها، وعمان وما تفعله لغز كما تحـدث عنها المفكر الكويتي عبدالله النفيسي، وهناك قطر وخروجها الدائم عن الرؤية الخليجية، وتفردّها ببعض المبادرات التي لا تشاور أيّا من جيرانها فيها.
والحال بكل صدق، أننا إزاء بيت خليـجي تعمه الرؤى الفردية للأسف، ولا تنتظمه الرؤية المتكاملة أو الشعور الحقيقي بالخطر الصفوي الجاثم في الضفة الشرقية من الخليج.
من الخطوات اللازمة اليوم؛ الشروع الفوري في استخدام الطاقة النووية، وإشهار ذلك في الإعلام وأمام سمع العالم وبصره، وقد تداعى لهذا الموضوع وكتب فيه كثير من السياسيين والإعلاميين، ولربما كان جهاد الخازن أكثرهم إلحاحا بدعوته للسعودية والإمارات ومصر بالبدء الفوري في هذا المشروع النووي، وجزما بأنه آن الأوان للبدء بذلك بشكل رسمي ومعلن، فلماذا يسمح العالم ويعترف لإيران باستخدامه ndash;إسرائيل قبلها- ويحرم العرب منه؟
الترس السنيّ لم يكتمل إلى الآن، باكستان، السعودية، مصر، تركيا، من الضروري التحرك في هذا المحور، ولملمة هذا الشتات في العالم السنّي، ومن المهم احتواء تركيا أردوغان، وهي الغاضبة مما حدث في مصر، وكسبها في صراعنا مع إيران. لم يعد احتواء تركيا خيارا أمامنا، بل ضرورة استراتيجية، والتاريخ القديم بين الصفويين والعثمانيين حاضر في علاقتهما، ونحن أقرب من إيران لكسب أحفاد آل عثمان، رغم أن إيران قامت بغزل مكشوف مع تركيا، ودعت أردوغان الأسبوع الماضي لزيارة طهران، وألحّت على زيارتـه، بالتأكيد بغية كسبه لصفها أو تحييده على الأقل.
وكذلك التحول لآسيا، الصين وروسيا تحديدا، فالغرب كان أحد أهم أسباب إبرامه الاتفاقية الأخيرة، هو الحيلولة لإقامة علاقات استراتيجية بين إيران وروسيا، ولكأنهم ضامنون أن دول الخليج لا تخرج عن الرعوية الغربية، فلماذا لا نقوم نحن بذلك، على الأقل بالتلميح.
تبقى المسألة الأكثر حساسية، وهي الحديث عن إسرائيل، وأن الدول quot;السنيةquot; سترحب بأي ضربة إسرائيلية لإيران quot;الشيعيةquot; ولاسيما أن إيران باتت العدو الأول للمنطقة؟ أعرف أن كثيرين لا يتقبلون مجرد مناقشة مسألة كهذه، ونحن الذين أمضينا الأعمار في كره هذه الدويلة الشؤم، وموقفنا من إسرائيل واضح، هي عدو المنطقة الأزلي مثلما أن إيران تمثل الخطر الأكبر الآن على المنطقة.
أخيرا: لست مع بعض ما كتب زميلنا الكبير جمال خاشقجي، وهو يهوّن مما حدث، فثمة ما يرسم في المنطقة، ومن العيب والخطأ أن نكون آخر من يعلم.