يوسف الكويليت

إيران تستطيع عكس سياستها ليس فقط مع أمريكا وأوروبا، نحو التعايش السلمي والتعاون اللامحدود مع جيرانها، وخاصة دول الخليج العربي، والمشكل ليس مع الدول العربية التي شكلت عداءً تاريخياً عجزت كل العهود عن حسمه لأن التواريخ مليئة بالأخاديد والحفر والدماء، ولكن العصر أنهى تلك العداوات لصالح المبادئ التي تتفق على أن للجميع الحق في العيش بالحرية والاستقلال الكامل دون وصاية أو عسف للواقع..

كان رئيسا جمهورية إيران الإسلامية، رفسنجاني وخاتمي أكثر فهماً لطبيعة الصراع ومحاولة إنهائه مع دول الجوار، فجاءت الزيارات واللقاءات وفتح الممرات والحدود مع دول الخليج كبادرة حسن نوايا بأن نعود للحاضر، وألا نتقاسم مسببات الماضي، وسيطر حسن النوايا على تلك اللقاءات، إلا أن مرحلة نجاد، وهوسه الإمبراطوري، وقطع كل علاقة مع العالم إلا بعض الدول التي لم تستطع سد الثغرات الاقتصادية والتقنية ورفع الحظر الضاغط على الشعب الإيراني، بددت أي فرصة لأن تصبح إيران جاراً قابلاً للتعاون والاتجاه إلى محاكاة دول العالم في العيش بسلام..

حالياً، ورغم كل الشكوك التي لا نستطيع تبديدها مع المرحلة الجديدة للسيد رئيس الجمهورية حسن روحاني، إلا أن الضباب المحيط برؤية إيران يجعل تبديدها هو الأصعب لأنه مهما ارتقت اللغة، والدعوات لحسن الجوار، إلا أن المطامع التي تبديها حكومات إيران، واللجوء لعقدة التاريخ، والتقليل من أهمية أي دولة وشعب عربي، خلقت سوء فهم ارتكز على نيران التصريحات والحرب الباردة المدرعة بحرب ساخنة في أي فرصة سانحة..

وزير الخارجية الإيراني بدأ زيارة لدول الخليج العربي بما فيها المملكة، ونحن مع فتح الآفاق كلها، وليس هناك مانع من كشف الحقائق والأدوار التي يمكن أن تصاغ بها علاقات متساوية لا تفرق بين دولة صغيرة أو كبيرة، أو استعمال سلاح النعرات، والتفريق بين سنّة وشيعة وفق إطار لا يقبل اللعبة السياسية، بحيث تتحول اللقاءات إلى هدنة قابلة للانتهاك بأسرع وقت..

فالعراق تحول إلى حليف لإيران يلتقي معها طائفياً، وصار يتكلم نفس لغة التهديد وقاموس لهجة سوء النوايا، ولأنه عاجز عن حل تناقضاته ما بين السلطة والمواطن سار بالطرق البعيدة عن حسم أمنه، وسورية أصبحت ميداناً مفتوحاً لإيران، وتحالف عراقي - لبناني يقوده حزب الله، وأصبحت المنتديات والحسينيات، والفضائيات وكل ما يساعد على الطلاق الطويل بسبب التحريض الطائفي أحد الإشكالات التي خلقت ما نسميه بفرضية تصدير الثورة الخمينية..

لم نكن أشد عداءً ما بين دول أوروبا التي خاضت حربين مدمرتين، ولا اليابان مع دول آسيا، وبالتالي فالعوامل الرابطة بين إيران وعالمها الإسلامي السنّي والشيعي يجب أن تكون المعيار الذي يقاس به رسم سياسة جديدة لعلاقات أكثر وضوحاً، ومحمد ظريف لا ندري ماذا سيقول ويطرح، وكيف يلغي الفوقية الإيرانية العرقية والمذهبية، وهل لديه الرؤية بأن مصلحة هذه البلدان هي في التعايش والتعاون، أم بالتسخين والتهديد؟

وبجملة بسيطة هل يمكن إيجاد عوامل تفتح الأبواب لتكامل اقتصادي يراعي الإمكانات بحيث نؤسس لكيان عامر بالعمل وليس بخلق التوترات؟

هذه الصور المتعارضة هي أسئلة مطلوب من المسؤول الإيراني الإجابة ودون مواربة أو حيل سياسية..