صالح القلاب

هناك تحول واضح ومتصاعد في موقف الولايات المتحدة تجاه النظام الحالي في مصر، بدأ في التصريحات التي كان أطلقها وزير الخارجية جون كيري قبل فترة واتهم فيها جماعة الإخوان المسلمين بأنها quot;سرقتquot; الثورة المصرية، وهذا ما كانت أميركا ترفضه في البدايات عندما كانت تراهن انطلاقاً من اعتقادها بأن هذه quot;الجماعةquot; هي التنظيم المصري الذي يمكن المراهنة عليه لتجنيب البلاد خطر الفوضى وتجنيبها خطر تنامي البؤر الإرهابية.
الآن هناك معلومات مؤكدة بأن الولايات المتحدة حسمت أمرها، وأنها غيرت مراهناتها هذه الآنفة الذكر، وغدت مقتنعة بأنه لولا حركة القوات المسلحة التي جاءت سريعة وحاسمة لتلبية رغبات أغلبية الشعب المصري الكاسحة لكانت مصر تغرق الآن في الفوضى، ولكانت تحولت كلها إلى ساحة للإرهاب الذي ثبت أنه متجذر في سيناء، وأنه عزز تجذره في هذه المنطقة الحساسة التي تتحكم بقناة السويس والمتاخمة لقطاع غزة والمطلة على ميناء العقبة وأيضاً على المملكة العربية السعودية خلال حكم quot;الإخوانquot; القصير العمر، وهذا أدى إلى الإفراج عن المساعدات الأميركية المتوقفة، وأصبح من المتوقع استئنافها كالعادة إلى مصر، سواءً العسكرية منها أو المدنية.
لقد كانت هناك quot;كبْوةquot; وقعت فيها إدارة الرئيس باراك أوباما، كادت تؤدي إلى فقدان الشرق الأوسط كله كمنطقة مصالح حيوية وإستراتيجية أميركية، عندما قَصَرتْ رهانها على الإخوان المسلمين، الذين كانت قد راهنت عليهم في أفغانستان، وكانت النتائج بالمحصلة هذه التي نراها الآن، وعندما أدارت ظهرها، وإنْ على نحوٍ موارب لمصر وللمملكة العربية السعودية، ودخلت في عملية مساومات بائسة مع روسيا الاتحادية التي ثبت أنها مع بدايات انفجار الأزمة السورية باتت تتصرف بعقلية الحرب الباردة، وأخذت تحاول، وهي لا تزال تحاول، استغلال ضعف هذه الإدارة الأميركية لتغيير المعادلات في هذه المنطقة، ولتستعيد مكانة الاتحاد السوفياتي عندما كان في ذروة قوته وتألقه.
كان خطأٌ قاتلاً بالفعل أنْ تحاول الولايات المتحدة التلاعب بمعادلات القوى في الشرق الأوسط، وأن يصبح رهانها على حصان خاسر هو quot;الإخوان المسلمينquot; وعلى إمكانية مستحيلة فعلاً هي استعادة إيران بعد أربعة وثلاثين عاماً من ثورتها الخمينية التي أطاحت أحد أهم حلفائها في هذه المنطقة التي ستبقى إستراتيجية وحيوية وهامة، وهو الشاهنشاه محمد رضا بهلوي، وكانت النتيجة أنها كادت تخسر أصدقاءها قبل أنْ تحقق أي نجاح فعلي في كسب أعدائها!
إنه غباء أو بَلَهٌ سياسيٌّ قاتل أن يعتقد الأميركيون أنَّ تحقيقهم الاكتفاء الذاتي من البترول والطاقة في عام 2014، كما يقال، سيجعل منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم ثانوية، ولهذا فإن عليهم quot;تخفيفquot; تواجدهم فيها، فالعالم كله أصبح بمثابة قرية صغيرة، وهذه المنطقة ستبقى منطقة مصالح حيوية لأي دولة كبرى تسعى لضمان قيادتها للعالم سنوات طويلة ولذلك، وبما أن أيّ تراجعٍ للولايات المتحدة سيوجد فراغاً ستبادر روسيا ومعها الصين إلى مَلْئه على الفور، فإن أميركا ستجد نفسها تذوب مع الوقت كما ذابت الإمبراطورية البريطانية في العصر الحديث، وكما ذابت الإمبراطورية الرومانية في العصور القديمة.
إنَّ المسألة ليست مسألة غازٍ ونفط فقط، إذْ إن أي دولة تنتدب نفسها لتكون الرقم الرئيسي في المعادلة الدولية لابد أن تحافظ على وجود فاعل ومؤثر في هذه المنطقة من الشرق الأوسط، وهنا فإنَّ ما يعرفه الأميركيون أنَّ أياً كان لا يستطيع أن يحقق وجوداً مؤثراً في هذه المنطقة بدون علاقات متينة وقوية أولاً مع مصر وثانياً مع المملكة العربية السعودية وثالثاً مع دولة متماسكة ومستقرة وقوية لها هذا الموقع الجغرافي الإستراتيجي هي المملكة الأردنية الهاشمية.