عبد الحميد الأنصاري

laquo;التحديات والتحولات أمام دولة الكويت ومنطقة الخليج العربي في العقد الحالي 2013-2020raquo;، هو العنوان الذي اختاره قسم العلوم السياسية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت لمؤتمره الأول والذي استقطب نخبة من أهل الفكر والثقافة والسياسة والدبلوماسية، وحضوراً بارزاً من طلاب وطالبات القسم. وعلى امتداد يومين كاملين، توزّعت محاور المؤتمر في 5 جلسات حافلة بالطروحات الفكرية والمناقشات الثرية لكافة جوانب وأبعاد القضايا المثارة، بدءاً بالتأثيرات السياسية والأمنية، مروراً بالاقتصادية والاجتماعية، وانتهاءً بالتداعيات الدولية، وصولاً للتوصيات.
الخليج اليوم هو الكيان العربي الذي قال عنه عبدالله بشارة أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي، هو laquo;الجزء السليم الصحي في الجسم العربيraquo;، قالها قبل عقد من الزمان ولازالت المقولة صادقة إلى اليوم. من يشكك في كون الخليج، وأقصد دول مجلس التعاون، هو الواحة الآمنة وسط عالم عربي مضطرب؟ من ينكر أن الخليج هو الكيان العربي الأكثر ازدهاراً والأعظم إنجازاً والأكبر جذباً للاستثمار والبشر؟ ما كان للخليج أن ينعم بما ينعم به اليوم لولا عناية الله عز وجل وحكمة الآباء المؤسسين (قادة الخليج) الذين قادوا سفينة التعاون الخليجي وسط مخاطر وأهوال كانت محدقة بالخليج وأهله فعبروا به إلى بر الأمان. لقد كانت التحديات قبل 31 عاماً، تاريخ قيام المجلس، أعظم والخليج كان في وضع أضعف. لكن الخليج اليوم في وضع أقوى وإمكاناته أعظم، وهو يؤثر في محيطه بشكل فاعل ويقوم بدور إقليمي نشط وينعم بازدهار لا سابق له. غير أن طموحات الخليجيين أعظم، وهم يريدون أن يسابقوا المجتمعات المزدهرة ويكونوا في الصفوف الأولى. القضية اليوم أنهم يريدون نوعية من الحياة أرقى، ذات جودة عالية بحسب المعايير العالمية لجودة الحياة، وهذا هو التحدي الكبير أمام الخليجيين اليوم. لكن التحديات أمام الخليجيين على مستويين:

الأول- استحقاقات الإصلاح الداخلي: تواجه المجتمعات الخليجية العديد من استحقاقات الإصلاح الداخلي بهدف laquo;تحصين البيت الخليجيraquo; ورفع مناعته لمواجهة التحديات الخارجية، الحالية والقادمة خلال العقد الحالي، ولأن كل ذي نعمة محسود، فالأطماع كبيرة والتدخلات مستمرة ومواطن الضعف في مجتمعاتنا عديدة، ومن هنا فإن الخليجيين اليوم وأمام تحديات الداخل بحاجة إلى تكاتف الجهود للاتفاق على استراتيجية وطنية خليجية لتحصين البيت الخليجي، باعتبارها خط الدفاع الأول وينبغي أن يكون من أبرز عناصرها:

1- الاهتمام بالشباب الخليجي وكسبهم باعتبار أن قضية الشباب هي قضية أمن وطني. فللشباب تصوراتهم وطموحاتهم وحماسهم، إذ يريدون أن تكون لهم كلمة في صنع مستقبل بلادهم، وهم يشكلون القطاع الأكبر من المجتمعات الخليجية، فلابد من إفساح المجال لهم وتعزيز الانتماء والولاء في نفوسهم.

2- تفعيل مفهوم المواطَنة وترجمتها على أرض الواقع في إجراءات عملية يلمسها الناس في فرص متكافئة في التعليم والوظائف العامة والعلاج والإسكان والتقاضي وسيادة القانون، وفي الثروة والاستثمار، وفي مؤسسات الإعلام. إن الفرز الطائفي والتعصب القبلي اللذين تتم تغذيتهما من قبل أطراف، لأهداف وأجندات غير وطنية، لا علاج لهما إلا باستراتيجية تفعل مفهوم المواطنة المتساوية والشاملة لجميع أفراد وأطياف ومكونات المجتمع.

3- ضبط المنابر الدينية وحظر الترويج لأفكار التطرف وتنقيح المناهج التعليمية ودعم الإعلام الإيجابي المعزز لقيم التسامح وقبول الآخر... وهي العوامل الفاعلة والمحصنة لشبابنا في مواجهة أفكار وطروحات التطرف والعنف والإرهاب المتسترة بالدين.

4- مكافحة الفساد في بنية المجتمعات الخليجية عبر إحكام الرقابة وإعمال الشفافية والحزم في تطبيق القانون على الجميع.

5- ضرورة نأي laquo;الدولة الخليجيةraquo; عن تبني خيارات مذهبية أو طائفية أو قبلية تُخل بحيادها الوطني بين مكونات المجتمع الواحد.

الثاني - التحديات الخارجية: تواجه الخليج مجموعة من التحديات منها:

1- صعود قوى أيديولوجية إلى السلطة العربية، وهي قوى تسعى لـlaquo;أسلمةraquo; المجتمعات العربية وتغيير هويتها التاريخية، لها تحالفاتها وأولوياتها المغايرة لأولويات النظم الخليجية، كما أنها ذات ولاء عابر للحدود.

2 - العراق الخاضع للنفوذ الأجنبي يشكل تحدياً للخليج، لأنه بدل أن يكون عوناً وسنداً للخليجيين أصبح عوناً وسنداً لغيرهم ومعبَراً لنفوذ الآخرين إلى الهلال الخصيب.

3- الحليف الأميركي المهزوز: بعد 80 عاماً من التحالف التاريخي مع القوة الأعظم، أصبحت ثقة الخليجيين في الولايات المتحدة مهزوزة، بسبب السياسات الأميركية المتذبذبة في إدارة أوباما. ولذلك فقد اعتبر أحد الخبراء الأمنيين الخليجيين أن السياسة الأميركية في المنطقة هي المهدد الأول للأمن الخليجي.

ما العمل إذن؟ على الخليج الاعتماد على نفسه في تطوير سياسات الدفاع المشترك والسعي لامتلاك القدرة على الردع، وأتصور أن في ربط الأمن الخليجي بالأمن المصري ما يعزز قوة الردع، فمصر تاريخياً هي السند والضمان للخليجيين، كما أن في هذه التحديات والتحولات ما ينبغي أن يكون دافعاً للخليجيين للانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، فعالم الغد عالم التكتلات القوية.

كما أن الانتقال إلى الصيغة الاتحادية كفيل بتحصين الأمن الوطني والخليجي في مواجهة التحديات القادمة.

وختاماً، فإن فوز دبي بأكسبو 2020، وقبلها الدوحة بمونديال 2022، هو مما يعزز ثقة المجتمع الدولي بالخليج ومكانته وأهميته ودوره وفاعليته في المحيطين الإقليمي والدولي.