حسن عبد الله عباس

يوجد تفاعل وارتداد غير طبيعي بين السياسة في مصر واحداثنا هنا بالكويت. فالمجلس ابطل هناك وحل هنا، تحركت الثورة الاخوانية هناك خفنا نحن هنا، انقلب العسكر على الرئيس الاسلامي هناك جاءهم الدعم بالمليارات من هنا، وهكذا الى باقي الارتدادات الواضحة بين العطسة هناك والكلينكس من هنا.
ما يعنينا هو السؤال التالي: هل الدستور الثوري الثاني سيكون ناجحا ومحل احترام المصريين؟
الدستور بشكل عام مصيبة المصائب والعبث به باب الشيطان، لهذا ينبغي اخذ كل الحذر عند التعامل معه. الدستور الثوري الثاني واضح انه قادم وفي العين المصرية قذى وفي الحلق شجى، والناس منقسمون الى مؤيد لمرسي (ليسوا بالضرورة اخوان) وثانٍ يميل للسيسي. هذا الانفصال السياسي الواضح حتما سيجعل الناس لن ترضى على الدستور بالصورة المطموحة، فالفوضى والمشاكل ما زالت قائمة وبالانتظار.
مشكلة وضع دستور توافقي مناسب للجميع ليست بجديدة في حقيقة الامر، فهي قصة تداولها علماء الفكر السياسي منذ زمن بعيد. المعضلة الكبرى في وجه اي دستور ناجم بسبب حمل كل فريق لخلفياته الثقافية والاجتماعية، ويكون المرء آنذاك متحمسا بجنون ومصرا على ادراجها في الدستور وتحتل رأس اولوياته حتى قبل الحديث عن العدالة. فالمسيحي والمرأة والمتعلم والعامل والسلفي والشيعي والتاجر وكل فرقة ونحلة تريد ان تضفي على الدستور لونا خاصا بها لتتميز عن الباقي ولتحفظ حقوقها. من هنا تكتشف ان استبعاد او ابتعاد فريق كبير مؤيد لمرسي حتما سيضعف من الدستور وسيجعله في مرمى التخوين وقصد تهميش بعض الاقليات طالما ان فريق واسع من الشعب لم يعد ممثلا بالدستور.


ما اقصده يجب على الدستور ان يكون بعيدا عن اي تعديل الا في الحدود الضيقة. وهذه الحدود يجب ان تكون مبنية على احد امرين: الاول وهو رأي يذهب اليه الفيلسوف الشهير جون رولز بضرورة اخذ جميع فئات المجتمع بالاعتبار. فلا يجوز بحال استبعاد اي طرف مع شرط واحد غاية في الاهمية، وهو الشرط الذي اكسب رولز كل هذه الشهرة. الشرط هو وضع الدستور من قبل اناس ينسون بالكامل تاريخهم وماضيهم وثقافتهم وكل شيء يعود بهم الى هذه الذكريات veil of ignorance، فقط المطلوب ان يفكر كل مشارك منهم بأنه انسان بشكل عام ولا يتميز عن غيره بشيء. فهذا الانسان متساو مع الاخرين في كل شيء وله ما لغيره وعليه ما على غيره. والى جانب شرط التساوي يحق للناس في هذا المجتمع التنافس كل بحسب قدراته وامكاناته، والمكاسب المتحققة سواء الاقتصادية او الاخرى تعتبر حقاً من حقوقه وتمكنه لكي يستلم اي منصب اداري او سياسي بناء على هذه القدرات والمكاسب والتنافس الشريف.
او وكما في الامر الثاني ان يتغير الدستور فقط من خلال قوة اعلى من سلطة المجتمع وهي القوة التي تحظى باحترام وطاعة المجتمع، وتحضرني الآن سلطة الرب في الديانات السماوية بما فيها الاسلام او التاج الملكي. فإما بهذه الصورة او تلك، يمكن للدستور ان يحظى بالمقبولية والنجاح وحل ازمات المجتمع، أما بغير ذلك فالدستور سيكون محور التأزيم والمشاكل لا عمود الحل. من هنا اقول العبث بدستورنا يجب ان يدرس بتأنٍ والا فتحنا باب الشيطان على انفسنا كما يدور في مصر.