ترتكز القيادة الإيرانية اليوم على laquo;القومية النوويةraquo;، وتربط المصالح الوطنية بالسلطة المطلقة لطبقة دينية- عسكرية صغيرة حاكمة عينت نفسها قيمة على البلاد، لا بالحقوق المتساوية لجميع مواطنيها.



Payam Akhavan و Shirin Ebadi

بينما كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يصافح نظراءه الغربيين أخيراً في جنيف ويحتفل معهم بالتوصل إلى اتفاق نووي مؤقت مدته ستة أشهر، كانت جثة شاب تتدلى من رافعة في ساحة عامة قاتمة في طهران، ناشرة الخوف بين الإيرانيين الذين يعانون أعلى معدل في العالم لنصيب الفرد من عمليات الإعدام مقارنة بالتعداد السكاني.
ولكن كيف يمكن التوفيق بين هذين المشهدين المتناقضين بحدة، بينما ينتقل قادة العالم إلى المرحلة الثانية من التقرب من إيران؟
لا شك أن الدبلوماسية أفضل من الحرب أو العقوبات التي أفقرت المواطنين الإيرانيين العاديين، الذين يعانون أساساً اقتصاداً يرزح تحت الفساد وسوء الإدارة، ولكن في ظل المفاوضات، لم يطرأ أي تغيير على وضع حقوق الإنسان المريع في إيران.
على العكس، يبدو أن المعدل المخيف لعمليات الإعدام قد ارتفع في الأسابيع الأخيرة. صحيح أن عدداً محدوداً من السجناء السياسيين حُرروا كدليل على حسن النوايا، غير أن كثيرين ما زالوا يقبعون في السجون في ظروف غير إنسانية، كذلك ما زال تعذيب المنشقين والرقابة المفروضة على وسائل الإعلام على حالهما، شأنهما في ذلك شأن اضطهاد الأقليات الدينية، مثل البهائية والمسيحية، والمجموعات الإثنية، ومثل الأحواز العرب، والبلوش، والأكراد. تريد القيادة الإيرانية المتشددة أن تؤكد للإيرانيين أن تراجعاً استراتيجياً في المفاوضات النووية يهدف إلى إنهاء العقوبات لا يعني الإصلاح في الداخل.
ولكن هل يواصل المجتمع العالمي تجاهله لحقوق الإنسان في الأشهر المقبلة بغية التوصل إلى صفقة نووية شاملة؟
يفترض البعض أن التوصل إلى صفقة ناجحة تشدد يد المصلحين، في حين يعتبر البعض الآخر أنه يساهم في استمرار حكم المتشددين، ويقول آخرون إن المسائل الأمنية يجب أن تكون أكثر أهمية من حقوق الإنسان. إلا أن كل هذه المواقف لا تبرر الصمت حيال الانتهاكات، فإن كان المصلحون يسعون حقاً إلى التغيير، فعليهم أن يرحبوا بالدعوات المطالبة بوقف عمليات الإعدام، والتعذيب، والاضطهاد الديني، وإذا كان المتشددون يزيدون القمع تحت غطاء الشرعية الدولية، فلا بد من فضح أمرهم، أما إذا كان الباحثون والمعلقون يظنون أن تهدئة مَن يعتنقون عقيدة دينية مبنية على الكره ستضمن الأمن على الأمد الطويل، فينبغي أن يدركوا الفارق بين quot;الواقعيةquot; السياسية والأماني الحالمة.
لا شك أن كل نظام مستبد يفتقر إلى الشرعية يحكم بقوة الجيش، لكن مفهوم الأمن يختلف في إطار ديمقراطي. لاحظوا أن الأرجنتين والبرازيل في ثمانينيات القرن الماضي ومن ثم جنوب إفريقيا بعد نظام الفصل العنصري في التسعينيات تخلت عن برامجها النووية بعد أن تبنت الحكم الديمقراطي، فلكل حكومة مسؤولة أمام مواطنيها أولويات مختلفة.
ترتكز القيادة الإيرانية اليوم على quot;القومية النوويةquot;، وتربط المصالح الوطنية بالسلطة المطلقة لطبقة دينية- عسكرية صغيرة حاكمة عينت نفسها قيمة على البلاد، لا بالحقوق المتساوية لجميع مواطنيها. حتى الرئيس المصلح حسن روحاني اقترح quot;ميثاق حقوق مدنيةquot; يقتصر على أعضاء الديانات quot;السماويةquot;، إذاً، في العقيدة الثيوقراطية للدولة الإسلامية، ترتبط حقوق الإنسان بموافقة الدولة على معتقدات المواطن. هذا بالتأكيد نظام فصل ديني يؤدي إلى التعصب والعنف، وإذا لم يوضع حد لهذه الانتهاكات، فكيف يمكننا الوثوق بالجمهورية الإسلامية؟
لا يمكن تحقيق التغيير الدائم إلا من خلال منح الشعب الإيراني الحرية، فقد أشعلت 35 سنة تقريباً من الحكم المستبد استياء جيل شاب يسعى إلى مستقبل أفضل بعد أن تخلى عن نظرته المثالية إلى الجمهورية الإسلامية. تتمتع إيران راهناً بمجتمع مدني يُعتبر من الأكثر نشاطاً في الشرق الأوسط، وتشكل الحركات الطلابية والنسائية، والمدافعون عن البيئة، والصحافيون الشجعان، والفنانون المبدعون قوى فاعلة تحمل الوعد بتحول ديمقراطي دائم.
يُطمئن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدين سجل إيران في مجال حقوق الإنسان للسنة العاشرة على التوالي الإيرانيين إلى أن مأساتهم لم تُنسَ، ولكن من الأهمية بمكان أن يجدد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جلسته في شهر مارس المقبل تفويض أحمد شهيد، مقرر الأمم المتحدة الخاص بشأن حقوق الإنسان في إيران. فعدم الإقدام على خطوة مماثلة باسم التهدئة سيكون له تأثير كارثي في مرحلة تقوم فيها القيادة الإيرانية بحساب الكلفة والمكاسب، مقارنة بين تبني الإصلاح والحفاظ على الوضع الراهن.
يجب أن تُعتبر محادثات جنيف نصفين متكاملين، مع إجراء المفاوضات النووية في موقع ما ومشاورات حقوق الإنسان في موقع آخر، ويجب ألا ننسى أن كلا النصفين ضروري للتوصل إلى حل كامل.
تقف إيران عند مفترق طرق، وعلى شعبها الاختيار بين مسارين متناقضين تماما، فيعِد الأول بالعودة إلى المجتمع الدولي من خلال عملية انتقالية تاريخية من نظام حكم مستبد إلى نظام ديمقراطي، أما الآخر، فيثير الخوف من أن يتمسك المتشددون الغاضبون، في زمن التسويات المترددة وتراجع الحظوظ السياسية، بعناد بالسلطة، مرتكبين أعمالاً أشد فظاعة ضد مواطنين إيرانيين يعتبرونهم quot;أعداءًquot; أو quot;متآمرين مع الخارجquot;.
لا شك أن الصفقة النووية المؤقتة والتقرب الدبلوماسي من إيران يشكلان فرصة تغيير مرحباً بها، ولكن على العالم أن يحرص على عدم التضحية بحقوق الإنسان على مذبح المنفعة السياسية.

* عبادي، محامية إيرانية تدافع عن حقوق الإنسان حازت جائزة نوبل للسلام عام 2003. وأكافان، مؤسس مركز توثيق حقوق الإنسان في إيران وبروفيسور متخصص في القانون الدولي في جامعة ماكغيل في مونتريال.