شملان يوسف العيسى

ركزت الصحافة العربية والعالمية تحليلاتها على الاتفاق الأميركي الإيراني الأخير، وأعطت اهتماماً أكثر للدور المتزايد لإيران بعد الاتفاق. وقد رحّبت دول مجلس التعاون الخليجي بهذا الاتفاق لأنه يفتح آفاقاً جديدة للعلاقات بين إيران ودول الخليج. كل ذلك مقبول ومطلوب، لكن علينا في الخليج إعطاء أهمية للعراق اليوم بسبب تزايد النفوذ الإقليمي والعالمي في هذا البلد العربي الشقيق.

لكن هل الاتفاق بين طهران وواشنطن يفتح المجال لتقاسم النفوذ في العراق والوقوف في وجه التطرف والإرهاب؟ وهل ستصبح إيران شرطي الخليج الجديد الذي يحافظ على المصالح الأميركية في المنطقة، ومن أهمها عدم الاعتداء على إسرائيل وعدم التعرض للمصالح الأميركية في الخليج؟

يبدو أن واشنطن وطهران متفقتان على تجديد ولاية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لفترة حكم ثالثة، حيث زار المالكي واشنطن الشهر الماضي ويزور طهران هذه الأيام للحصول على قبولها لترشيحه للولاية الثالثة في الانتخابات التشريعية القادمة. فزيارة المالكي لطهران، الهدف منها مطالبتها بالضغط على التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر وlaquo;المجلس الأعلىraquo; الذي يتزعمه عمار الحكيم، الحليفان الرئيسيان لإيران، كي يغيرا موقفهما المعارض لترشيح المالكي ومطالبتهما بقبول الولاية الثالثة كما فعلا في الولاية الثانية.

دول الخليج العربية، وفي قمتها القادمة في الكويت، عليها أن تغير سياستها تجاه العراق، وأن تلعب دوراً أكثر فعالية وإيجابية تجاه الأشقاء في العراق بدعوة قادته جميعاً لزيارة الرياض والكويت وأبوظبي والدوحة والمنامة ومسقط، للحوار حول دعم دول الخليج للحوار الوطني بين القوى السياسية العراقية المختلفة، لأنه لا أحد في العراق سيستفيد من تمزق النسيج الاجتماعي العراقي، ولن يستقر العراق ما دام قادته يفكرون بمصالحهم الشخصية والطائفية، بدلا من مصالح الشعب العراقي بكل طوائفه. علينا أن نثبت لأخوتنا في العراق بأن منطلقنا الرئيسي ليس دينياً ولا طائفياً لحماية فئة من الشعب العراقي ضد فئة أخرى. مطلوب منا التأكيد على عروبة العراق وأهمية وحدته الوطنية، إذ لا أحد يستفيد من تمزيق العراق إلا أعداءه.

علينا في الخليج محاورة واشنطن وكشف زيف ادعاءاتها بأن الهدف من تحرير العراق عام 2003 من نظام الطاغية هو ترسيخ النهج الديمقراطي هناك ليكون العراق نموذجاً يحتذى به في الوطن العربي! فالديمقراطية والانتخابات في كل بلاد العالم المتحضر هي عنصر أمن وأمان واستقرار... لكن بعض الأطراف حوّلتها إلى نموذج لعدم الاستقرار والفساد والفوضى والقتل على الهوية وتفشي الإرهاب والعنف بشكل يومي في العراق.

لماذا تسكت واشنطن على ما يحدث في العراق حالياً من إرهاب وإقصاء وإبعاد وتهجير وتشريد، ليس فقط للعرب السنة بل امتد الأمر ليشمل الأقليات المسيحية والصابئة والمندانيين (وهم سكان العراق الأصليون قبل دخول الإسلام بلاد الرافدين)؟

كانت قوة العراق وتميزه قبل الغزو الأميركي وقبل حكم صدام حسين، تنبعان من التركيبة المتنوعة والمختلطة لنسيج شعبه الوطني الذي يشمل العرب والأكراد والتركمان والآشوريين والمسيحيين واليهود... وغيرهم من الأقليات.

هل تستطيع دول الخليج لعب دور فعّال في العراق لإبعاده عن النفوذ الإقليمي فيه؟ نحن على يقين بأن دول الخليج هي المؤهلة فعلا للعب دور في إنقاذ العراق من سياسة التخبط الأميركي. صحيح أن دول الخليج تعتمد على الولايات المتحدة في بعض الجوانب الأمنية، لكن تبقى واشنطن في حاجة إلى دول الخليج، فهنالك استثمارات أميركية بمليارات الدولارات في هذه الدول، خصوصاً في مجال النفط، كما توجد قواعد عسكرية أميركية في المنطقة. واشنطن لا تستطيع الاستغناء عن منظومة الأسطول السابع في البحرين ولا عن القاعدة الجوية في قطر.

ومن المفارقات الغريبة أن واشنطن التي تدعي بأنها تحارب التطرف الديني، تضع يدها اليوم في أيدي من يدعمون laquo;حزب اللهraquo; والقادة الطائفيين في الوطن العربي، خصوصاً في العراق وسوريا.

على عرب الخليج أن يوحدوا سياساتهم ويؤكدوا على وحدة شعوبهم ويرفضوا أي أطروحات طائفية أو قبلية، وألا يهملوا العراق لنتحسر بعد ذلك على فقدانه، ومعه سوريا وغيرها من بلاد العرب.