حسن أبو طالب

من العبارات المهمة التي أطلقها السيد عمرو موسي في نهاية أعمال لجنة الخمسين التي عدلت الدستور المعطلrlm;,rlm; وأخرجت وثيقة دستورية مختلفة تماما شكلا ومضموناrlm;

قوله ان مشروع الدستور يعيد لمصر قوتها الناعمة, وربط ذلك بأن الوثيقة المقترحة تتضمن حقوقا اجتماعية لكل فئات المجتمع كما تضمن الحريات في صورة الزامية للدولة.
ومثل هذا الفهم العام لدور الدستور الجديد يفتح الباب امام مضمون جديد للدور الاقليمي لمصر يقوم علي فكرة النموذج القابل للاستنساخ بفعل تماسكه وريادته وعوائده المحققة للمواطن والمؤسسات معا. وغني عن القول ان دور مصر الاقليمي تعرض لتراجع شديد في غضون السنوات العشر الماضية, وأصبح السعي لتنشيطه واضفاء طابع ديناميكي فاعل للدور والتأثر المصري هو التحدي الأكبر لكل المصريين أيا كان موقعهم الاجتماعي أو الفكري والسياسي. ويزداد هذا التحدي مع حالة الاستنفار والعداء التي تمارسها بعض الدول ضد التحولات السياسية العميقة التي تجري بالفعل في مصر, والتي تمول بغزارة وتدفع قلة من المصريين المتضررين من ثورة30 يونيو إلي أفعال إرهابية صارخة لغرض تعطيل المسار السياسي وإفشال خطة التحول الديمقراطي, وإنهاء الامل في المستقبل وإبقاء البلاد في حال توتر وفوضي.


وإذا كانت خطوة الانتهاء من وضع وثيقة دستورية في ظل مناخ تشوبه اضطرابات أمنية وسياسية واقتصادية غير خافية علي أحد, تمثل انجازا وطنيا يستحق التقدير, فهي وحدها لا تكفي, فالمطلوب والمنتظر من كل القوي المصرية الحية والصادقة في وطنيتها والتزامها بمبادئ وأهداف ثورة30 يونيو أن تجعل يوم الاستفتاء علي الدستور حدثا ديمقراطيا بكل معني الكلمة من حيث اتساع مساحة المشاركة وصولا إلي نسبة عالية جدا تؤيد الدستور الجديد. وكما استطاع المصريون بكل فئاتهم وتعدد رؤيتهم السياسية المشاركة في إبداع نموذج الثورة الشعبية الجارفة والفعل الجماهيري الكاسح كما حدث في30 يونيو, فهم مطالبون بالعمل من أجل تعزيز هذا النموذج مرة أخري والرد بقوة واقتدار علي كل دعاوي التشكيك من الداخل والخارج التي يمارسها التنظيم الدولي الاخواني, وتثبيت الدستور الجديد بأعلي نسبة ممكنة, وبالتالي إرسال رسالة قوية لكل العالم بأن المصريين هم أصحاب القرار وهم الجديرون بحماية وطنهم وصنع مستقبلهم, وهم الاقدر علي مواجهة التحدي أيا كان مصدره وأيا كان حجم تواطؤ وخيانة البعض في الداخل ضد وطنهم وشعبهم.


إن إبداع نموذج دستوري وسياسي نشط يدعم التحول الديمقراطي ويعيد بناء المؤسسات وفقا لمتطلبات الثورة الشعبية وإن كان يمثل ضرورة للداخل, فهو وحده لا يكفي لاستعادة الدور والمكانة الاقليمية التي تستحقها مصر, فثمة حاجة إلي الخروج من حالة الانكفاء علي الذات إلي رحاب التفاعل الاقليمي الايجابي مع القضايا والأزمات والتحولات التي تجري في اكثر من مسار علي قدم وساق. فطوال الاعوام الثلاثة الماضية, فرضت الضغوط والتحولات الداخلية نفسها علي صانع القرار كما علي المواطنين والمجتمع المدني إلي الدرجة التي فرضت أحيانا انسحابا طوعيا عن ممارسة الحد الأدني من التأثير أو محاولة التأثير في قضايا وأزمات إقليمية ذات تأثير مباشر علي المصالح المصرية العليا بالمعنيين المباشر والاستراتيجي, ولعل ما جري في سوريا وما زال وكذلك في اليمن والعراق وليبيا نماذج صارخة علي الانسحاب الطوعي المصري والاكتفاء بسياسة النظر والانتظار وفي أحسن الأحوال تحركات هامشية بلا تأثير بل الخضوع إلي مواقف وارتباطات دول بعينها تمثل خطرا علي مصر ومصالحها. وفي أحيان أخري جاءت التحركات المصرية في قضايا تمس مباشرة الوجود المصري نفسه في صورة باهتة وغير مؤثرة, كما هي الحال في قضية سد النهضة الاثيوبي وحقوق مصر المائية والعلاقة مع السودان شمالا وجنوبا والقضية الفلسطينية. والأمثلة هنا لا تعد ولا تحصي.


وفي حوارات متعددة مع رموز حزبية برز اتفاق علي أن مسألة إعادة الاعتبار للدور المصري عربيا وإقليميا أصبحت مطلبا ملحا, وأن المسئولية هنا لا تقع علي الحكومة وحدها, بل علي القوي السياسية جميعا وعلي المجتمع المدني بأشكاله المختلفة وعلي المثقفين المؤمنين بأهمية وضرورة تنمية وتعزيز الروابط المصرية العربية, وعلي الفنانين والإعلاميين. ومن الملاحظات السلبية هنا أن كثيرا من التجمعات الشبابية الناشطة في العمل السياسي لا تعطي وزنا للاعتبارات القومية الجامعة بين مصر ومحيطها العربي, وتتجاهل إلي حد كبير أن التأثير والمكانة للدولة والمجتمع ترتبط أساسا بالقدرة علي التأثير الايجابي والاشتباك مع القضايا الاقليمية المختلفة, وهما امران مرتبطان بالخروج من شرنقة الانكفاء علي الذات الحادثة الآن, وبالمبادرة واتساع الافق السياسي والتواصل الدائم مع أصحاب القضايا المختلفة والمشاركة بالتفكير والجهد لوضع الحلول لهذه القضايا. وقبل ستة اسابيع واثناء مشاركة وفد يمثل الائتلاف السوري المعارض لنظام الرئيس الاسد في اعمال أحد اجتماعات الجامعة العربية, وضم رموزا سياسية وثقافية وفكرية معتبرة منها ميشيل كيلو ود. برهان غليون, لاحظ الوفد السوري أن اهتمام المصريين شبابا وسياسيين محترفين ورموزا حزبية بالشأن السوري في أدني درجاته, وأن الكثيرين يفتقدون إلي التفاصيل الرئيسية لمجريات الوضع السوري, وتمني الوفد أن تضع مصر القضية السورية في الاعتبار وأن توليها الاهتمام الكافي. وهو تمن ارتبط بالتأكيد علي أن ما يجري في سوريا له انعكاسه علي المصالح والأمن القومي المصري, وفي هذا حق لا يمكن إنكاره.


واستطيع القول أن الاهتمام المصري العام بقضايا ذات صلة مباشرة بأمننا القوي ليس كما ينبغي ولا كما يفرض علينا وضعنا السياسي. فمن يهتم مثلا بالشأن العراقي المتجه بقوة إلي حالة تفكك مجتمعي وسياسي وديني خطيرة تقترب من مفردات الحرب الأهلية الطاحنة, ومن مثلا يهتم بمجريات الوضع اليمني الذي يشهد مساعي حثيثة لتفكيك البلاد وضرب وحدتها, ومن يتابع مثلا الاوضاع اللبنانية المتفجرة في الشمال كما في الشرق, ومن يتعمق في نتائج الاتفاق الإيراني مع الغرب بشأن برنامجها النووي واستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في استيعاب إيران النووية وإعادة إدماجها في المجتمع الدولي والقبول بدور إقليمي لها اقرب إلي شرطي الخليج.
إن وجود قواعد وأسس القوة الناعمة المصرية من ثقافة وفنون وتقاليد مؤسسية لم يعد يكفي في حد ذاته, فالفعل والمبادرة هما الأساس الذي يؤكد الدور أو ينفيه. وبدون نموذج سياسي نشط وتحرك واع وتواصل واشتباك مع الأخر, فلن يكون هناك دور أو مكانة.