عبد الغفار حسين

بدون التطرق إلى التفاصيل حول مجلس التعاون الخليجي والاقتراح بتحويله إلى اتحاد خليجي أكثر اندماجاً، لا أعتقد بوجود خليجي واحد لا يريد لهذا التجمع أن يصبح متحداً وأكثر التصاقاً، وإنما هناك تباين في وجهات النظر بين الخطوات الواجب اتخاذها في تطوير الوضع الحالي بالتدرج والتروي المدروسين، وبين اقتحام الحواجز مرة واحدة، والدخول في أمور قد لا تحمد عقباها .
خلال الثلاث سنوات الماضية طُرحت أفكار عدة تصب جميعها في مصلحة هذه المنظمة، منظمة التعاون الخليجي، التي لا يوجد مثيل لها في الشرق الأوسط، وتعتبر ثاني اثنين من التجمع والتعاون الدوليين على الصعيد العالمي بعد التعاون الأوروبي . وكان من بين هذه الأفكار ما اعتبر استعجالاً في الأمر، أملته الانفعالات العاطفية الآنية لاسيما بعد التغييرات المفاجئة التي حدثت نتيجة لما سمي بالربيع العربي في ليبيا وتونس ومصر والتي أثبتت أن الربيع كان خريفاً وأن التغيير لم يكن إلى الأحسن .
ولو رجعنا إلى ما يقرّبنا من خمسين عاماً مضت أو بالتحديد 46 عاماً، لوجدنا أن أول من طرح فكرة الاتحاد الخليجي وتحمس لها، بكل مصداقية وإيجابية، هو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عقب اعلان الإنجليز قرار انسحابهم من المناطق الواقعة شرق السويس عام ،1968 واستجاب لهذه الدعوة تسع إمارات خليجية هي البحرين وقطر والإمارات السبع، التي تشكل اليوم دولة الإمارات المتحدة . وجرت بين هذه الإمارات التسع مشاورات ومفاوضات استغرقت قرابة عامين ونصف العام وكانت نتيجتها قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وقرار البحرين وقطر أن يقيم كل منهما دولته المستقلة بسبب ظروف سياسية ليس هنا مجال لاستعراضها . ومن الانصاف أن يسجل للشيخ زايد رحمه الله هذه المأثرة التاريخية التي فتحت الباب للحديث عن الاتحاد الخليجي في كل مناسبة من المناسبات المتعلقة بهذا الموضوع .
وجاء بعد ذلك مجلس التعاون الخليجي الذي شاءت ظروفه أن يتكون في وقت عصيب شهدته المنطقة الخليجية وقرعت أبوابها وهي الحرب التي نشبت بين العراق وإيران عام ،1980 ولهذا التكوين، تكوين المجلس فضل كبير في تماسك الخليجيين والوقوف في وجه العواصف التي كانت تهب بشدة نتيجة هذه الحرب، ورغم تباين المواقف لكن الخليجيين خرجوا منها بعد أن وضعت الحرب أوزارها سالمين غير متأثرين كثيراً بما وقع، بسبب التضامن، ذلك التضامن الذي أتى اكله الطيب أثناء الاعتداء الغادر على دولة الكويت عام ،1990 من قبل صدام حسين، واعتبر الخليجيين جميعهم أن هذا الاعتداء وقع عليهم جميعاً دون استثناء، وبذلت دول الخليج كل ما في وسعها لدحر هذا العدوان .
وفي رأيي، أن الوقت مازال مبكراً لقيام اندماج وحدوي بين دول الخليج وأن الطريقة المثلى هي السير المتأني وتلمس المعالم والمطبات والعوائق بالدراسة الدقيقة، واستعراض الأفكار الوحدوية التي طرحت في المنطقة العربية خلال الستين سنة الماضية استعراضاً عقلانياً وموضوعياً بعيداً عن العواطف، حيث إن معظم هذه الأفكار لم تكلل بالنجاح بسبب التسرع والعواطف الهوجاء التي سادت دعاة الوحدة العربية أو الأقليمية، بالرغم من أن النوايا كانت حسنة وغير مريبة .
وليس معنى الدعوة إلى التأني وإعمال العقلانية التأملية ألا تكون هناك خطوات عملية لتطوير عمل مجلس التعاون والبحث عن المصادر التي تؤدي إلى التطوير، بل من الواجب البحث المستمر عن أية آلية تحقق منفعة لأهل الخليج وتؤدي بالشعب الخليجي إلى التقارب الأكثر والأحسن، وإنما الاختلاف في وجهات النظر هو ألا يحدث التسرع، وتعطى المواضيع حقها من البحث والاستقصاء . . فأهم الأمور التعاونية والتقاربية موجودة، ويتم التعامل بموجبها في دول مجلس التعاون، من قبيل الدفاع المشترك وانتقال رؤوس الأموال، وعدم وجود قيود على انتقال الخليجيين والسماح للخليجي بالإقامة أينما أراد في دول التعاون، والتعاون في تبادل المعلومات الاستخبارية والامنية . . وغير ذلك من الفؤائد مما لا يحضرني في هذه العجالة..