rlm;بهجت قرني

هل وصلت أصداء الثورةrlm;,rlm; والتغيير إلي السياسة الخارجية المصرية؟ هل تستطيع مصر في أزمتها الراهنة الاستفادة من سياستها الخارجية للمساعدة في حل بعض مظاهر هذه الأزمةrlm;,rlm; بمعني أن يكون هناك ما نستطيع أن نسميه سياسة خارجية من أجل التنمية؟

هل في الإمكان أن تعتمد صناعة السياسة الخارجية المصرية علي المؤسسات بدلا من الاشخاص أو الأهواء, أن تكون أكثر عقلانية ومنطقية؟
الجدل الدائر الآن حول السياسة الخارجية لمصر الجديدة هو صحي للغاية, وقد يصبح ثورة علي التردي الذي وصلت إليه هذه السياسة من عدم التوازن في علاقاتها مع الدول الكبري إلي دور دولي وإقليمي أقل كثيرا من وضعها الجيو ـ استراتيجي. وبالرغم من أن شعارات الثورة في يناير2011 ركزت أكثر علي موضوعات السياسة الداخلية من عدالة اجتماعية ومساويء نظام الحكم, إلا أن التوقع هو أن تمتد الثورة إلي كل مناحي الحياة بما فيها السياسة الخارجية, لأن الثورة ـ بمعناها الحرفي هي تغيير جذري لكل شيء, بما فيها السياسة الخارجية, من نبيل فهمي وجميل مطر إلي السيد أمين شلبي ومحمد أنيس ومصطفي الفقي وإبراهيم عوض وحتي العنصر الشبابي مثل ياسمين فاروق, أو نائل شامة, كما اشتركت المؤسسات وفي مقدمتها المجلس المصري للشئون الخارجية الذي كرس مؤتمره السنوي في2012 لإشكالية السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة, وكذلك عدة ورش عمل مغلقة.
كانت كل هذه الأسئلة في ذهني وأنا أتوجه إلي حوارات التحرير مع نبيل فهمي والذي دعا إليه كل من منتدي الجامعة الأمريكية بالقاهرة, وكلية الشئون الدولية والسياسات العامة, كان هذا الوزير النشط واضحا ـ وفي حدود القيود المفروضة علي منصبه وعمله ـ صريحا ــ الانطباع العام هو عودة العقلانية إلي هذه السياسة, بمعني عمل حسابات دقيقة في ضوء المعلومات المتاحة قبل التحرك, ومحاولة وضع كشف للمكاسب والتكاليف المحتملة لكل تحرك, من إفريقيا إلي آسيا, وكجزء من عقلانية هذه السياسة بعيدا عن الأهواء هو اختيار الأهداف بدقة ـ دبلوماسية التنمية مثلا ـ ثم تقوية المؤسسات ذات الكفاءة باستخدام الوسائل المناسبة لتحقيق هذه الكفاءات.
بالإضافة إلي مناقشة الوزير في هذه الموضوعات العامة, كان في ذهني مثل محدد عن الازمة الاخيرة مع تركيا, وإعلان السفير شخصا غير مرغوب فيه.
كما تقول اللغة الدبلوماسية, أي طرده بمعني أوضح وتصادف الإعلان المصري يوم السبت23 نوفمبر مع وجودي في العاصمة الألمانية ـ برلين ـ للمشاركة في ورشة عمل ألمانية ـ تركية عن الشرق الاوسط بعد الربيع العربي من العراق وسوريا إلي مصر وتونس. من المنطقة نفسها كان الحضور التركي كثيفا, ولكن كان الجو العام وديا للغاية, بل لأن معظم الحاضرين كانوا من اسطنبول, فقد كان هناك تحفظات شديدة علي أسلوب أردوغان الانفعالي في قيادة السياسة الخارجية لبلاده, بل شعرت بهذا من جانب بعض الدبلوماسيين الأتراك ـ سابقين أو حاليين ـ الذين أظهروا بطريقة دبلوماسية أن وزارة الخارجية التركية لايتم استشارتها بالقدر الكافي. وقد ذكرني هذا بالطبع بوضع وزارة الخارجية المصرية في كثير من الأحيان. شعرنا فعلا بأن هناك بعض السمات المشتركة بين مصر وتركيا, ولذلك عند المغادرة بعد يوم من المناقشات المثمرة والجو الودي, نزل علينا جميعا الخبر من القاهرة كأنه صدمة يتعارض مع حرارة لقائنا. وكان منطقيا أن يلح علي ذهني هذا السؤال, وأنا أتوجه للحوار مع نبيل فهمي ؟ كيف تم اتخاذ هذا القرار, من اتخذه في النهاية وماذا كانت مراحله المختلفة؟
لم يحاول الوزير التهرب من السؤال, بل كانت الاجابة واضحة وتشير إلي الدور المركزي الذي بدأت تلعبه وزارة الخارجية في تخطيط السياسة الخارجية وليس فقط في تنفيذها كما كان الحال في معظم السنوات السابقة, فأكد الوزير الانطباع العام عن توتر وتدهور العلاقات المصرية ـ التركية بعد عزل مرسي, وأن أردوغان, وبعض معاونيه لايعترفون بشرعية هذا التغيير, بل تجاوزوا حدود العلاقات علي مستوي الدول ليقوموا بالتنسيق بين الجماعات الاسلامية وعقد اجتماعات لها لمهاجمة حكومة مصر الجديدة.
كان رد فعل وزارة الخارجية هو لفت نظر السفير التركي إلي ما يحدث, ثم بدأت اللهجة ترتفع تدريجيا, حتي جاء تصريح أردوغان العلني بمهاجمة أسس النظام الحالي, وقوله ان من يستحق المحاكمة ليس الرئيس مرسي ولكن من يحاكموه بل ان مرسي بطل. قامت وزارة الخارجية اذن برفع مذكرة إلي رئاسة الوزارة ثم إلي رئيس الجمهورية, بتخفيض مستوي التمثيل الدبلوماسي إلي مستوي القائم بالاعمال, بمعني ان وجود الغير لا لزوم له, وهي شياكة دبلوماسية لطرد السفير.
ولكن أصر الوزير علي أهمية العلاقة بين هاتين الدولتين المحورتين في المنطقة, وأنه تم معاملة السفير بأحسن معاملة حتي ركوبه الطائرة كما فعل الأتراك نفس الشيء مع السفير المصري هناك. كان هناك إيحاء أن المشكلة ليست مع تركيا كدولة, ولكن مع أردوغان وميوله الأيديولوجية وسلوكياته الانفعالية, أي أزمة العلاقات المصرية ـ التركية قد تكون مؤقتة. إنشاء الله!