نوال السعداوى

الثورة المصرية قامت لإسقاط الحكم القديم وبناء حكم جديد يقوم علي فلسفة جديدة تنعكس في دستور يضعه الذين قاموا بالثورةrlm;,

فهل تحقق ذلك؟ بعض أعضاء لجنة الخمسين اعلنوا أن كلمة حكومة مدنية في ديباجة الدستور, تعني حكم مدني, يعرفون الفارق بينهما ويخدعون الشعب.
فالحكم يعني النظام الذي يحكم البلد وفلسفته ومبادئه وقوانينه ومؤسساته التشريعية والقضائية والتنفيذية والرقابية.. الخ ويستمد الحكم شرعيته واستمراره من سلطة الشعب القادر علي اسقاطه, كما حدث في ثورة52 يناير1102, وتم اسقاط حكم مبارك, وفي ثورة03 يونيو3102 وتم اسقاط حكم مرسي, أما الحكومة فهي المؤسسة التنفيذية فقط, فإن أخطأت يتم تغييرها بقرار برلماني. وقد استبدل الحكم المدني بالحكومة المدنية لماذا؟ ولماذا استبدل التمثيل العادل للنساء بالتمثيل المناسب؟ الفارق بينهما كبير. فالتمثيل العادل للنساء المصريات05% علي الأقل حسب عددهن في المجتمع, والتمثيل العادل للأقباط41% حسب عددهم في مصر.
تملقت لجنة لخمسين( يمين ويسار) الحزب السلفي الديني( ليقف معها ضد الإخوان) فقررت التضحية بحقوق النساء والأقباط, وضحت أيضا بحقوق الشباب والفقراء لإرضاء القوي الطبقية وكبار السن. ومشروع الدستور ينطوي علي تناقضات ومراوغات لتمرير فلسفة حكم قديم تحت اسم النظام الثوري الجديد. وتغلبت مصالح القلة المستريحة علي الأغلبية الساحقة المسحوقة, تحت عبارات انشائية مثل: المساواة بين المصريين بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة وغيرها, ثم جاءت المواد الأخري لتنطوي علي التفرقة الطبقية والجنسية والازدواجية القائمة علي الفصل بين العام والخاص أو بين الدول والعائلة؟
المساواة بين الرجال والنساء في الحياة العامة فقط لماذا؟ والأسرة أو الحياة الخاصة هي أساس المجتمع والحجر الأساسي للدولة؟ كيف تكون مؤسسة الأسرة دينية في الدولة المدنية؟ كيف يتناقض العام مع الخاص؟ هل يقوم بناء الدولة علي الهواء أم علي الحجر الأساسي أي الأسرة؟


ديباجة الدستور تسرد تاريخ مصر من منظور طبقي أبوي, تسوق بطولات فردية لبعض الرؤساء ورجالهم, تتجاهل دور النساء والشعب الفقير في الثورات المتعاقبة التي غيرت مجري التاريخ, بما فيها الثورات الأخيرة(1102 و3102), ضحوا بدمائهم ودمائهن من أجل الوطن فلم يأخذوا الا الموت والفقر والقهر؟ وجاءت كلمة المواطنات( مرة واحدة) علي استحياء في مؤخرة ديباجة من خمسمائة كلمة, قام بتأليفها خمسون رجلا من الوجهاء, وخمس نساء من الوجيهات, احتل( أغلبهم) المناصب المهمة في الحكم القديم, وان اختلفت الكوادر والدرجات لم يدفعوا ثمن الثورات, لا من عرقهم ودمهم أو مالهم وعيالهم, عاشوا آمنين مستفيدين من الحكم وان عارضوه, تحت اسم المعارضة الشرعية, وغيرهم ممن قاموا بالثورة, ينزفون الدم في السجون, أو يعانون الفقر والغربة في المنافي. لم يغير الدستور فلسفة الحكم الرأسمالي الأبوي الديني القائم علي الازدواجية القانونية والأخلاقية في الدولة والأسرة, لم يغير الدستور قانون الحصانة المعكوس, الذي يحصن صاحب القوة ضد الضعفاء, يحصن الرئيس ضد المرؤوس في الدولة, ويحصن الرجل ضد المرأة في العائلة, ويفصل بين المسئولية والقوة, كلما ارتفعت القوة انخفضت المسئولية, فلسفة كبش الفداء, يعاقبون الضحية ويطلقون سراح الجاني صاحب القوة والشرف.
ولم يغير الدستور الفلسفة الاقتصادية للحكم, التي أدت الي الفساد المتوحش والفقر المدقع والبطالة الخطيرة, نتائج سياسة السادات ومبارك القائمة علي الانفتاح وسوق الربح والغش والرأسمالية الشرسة والخصخصة والمعونة والتبعية المهينة, الي حد الاستعانة بالقطاع الخاص الأجنبي لكنس الشوارع وتولي خدمات التعليم والصحة والثقافة والرياضة, مما أدي الي تراكم القمامة وتدهور التعليم والصحة والثقافة والرياضة واغتصاب الأطفال وتحجيب البنات. ولم تحذف المادة الثانية التي أقحمها السادات في الدستور منذ أربعين عاما ليدعم التيارات السلفية الدينية والاخوان المسلمين, تمهيدا لتقسيم مصر طائفيا, خدمة للمصالح الإسرائيلية الأمريكية الأوروبية. هذه المادة تؤكد الحكم الديني وتتناقض جوهريا مع مدنية الحكم, وهكذا غاب عن الدستور المنطق والصدق؟.