زيارات متوالية لبكين تعكس أهمية الصين المتصاعدة، ومناورات كرزاي في تعامله مع الأميركيين، وتوديع العالم للزعيم مانديلا، واستمرار الحاجة للعلمانية في تركيا.. هذه أربعة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الدولية.

-------

قادة في الصين

نوهت صحيفة laquo;تشاينا دايليraquo; في افتتاحيتها ليوم الأربعاء الماضي بالزيارات المتوالية التي أدتها مجموعة من قادة الدول والمسؤولين الأجانب إلى العاصمة بكين خلال شهر نوفمبر الماضي، معتبرة أن تقاطر هذا العدد من كبار المسؤولين على الصين وحرصهم على زيارتها إنما يعكس المكانة المهمة التي باتت تحظى بها البلاد على الساحة الدولية، وإن كان الانفتاح الدبلوماسي غير المسبوق، تقول الصحيفة، لا يتناسب وموسم الشتاء الذي غالباً ما يشهد تباطؤاً في الزيارات الخارجية. ولكن الاهتمام الدولي بالصين ينبع، كما تؤكد الصحيفة، من مكانتها البارزة، وأيضاً من مصالح الدول والقوى المختلفة، فخلال فترة وجيزة استضافت الصين كلاً من نائب الرئيس الأميركي، بايدن، الذي جاء على خلفية النزاع المستمر مع اليابان على الجزر في بحر الصين الشرقي وسعيه لتهدئة التوتر الناشئ بين بكين وطوكيو وتعميق التعاون الاقتصادي. ثم كانت زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، والرئيس الأوكراني فكتور ياكونوفيتش، ورئيس الوزراء الفرنسي، جون مارك إيرولت، فضلاً عن اللقاء الذي جمع بين رئيس الحكومة في الصين، لي كيديانج، وقادة الاتحاد الأوروبي على هامش انعقاد الدورة السادسة عشرة للقمة الصينية الأوروبية. وكل ذلك تقول الصحيفة يعكس رغبة تلك الدول في الاستفادة من نمو الاقتصاد الصيني واستمرار قوّته، على رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، وربما يكون هذا السبب نفسه في مقدمة العوامل التي تدفع دولاً كثيرة إلى البحث عن تعاون اقتصادي وتجاري يخرجها من حالة الركود، ما يعني في المحصلة أن الصين تحظى بثقة المجتمع الدولي واعترافه بقدرتها على المساهمة في استقرار الاقتصاد العالمي. وتضاف إلى ذلك رغبة زعماء العالم في الاطلاع على تفاصيل التغييرات التي أعلن عنها الحزب الشيوعي في الشهر الماضي أثناء انعقاد لجنته المركزية، حيث كشف عن خطط مستقبلية تروم الإصلاح السياسي والاقتصادي.

كرزاي يرفض الاتفاقية الأمنية

انتقدت صحيفة laquo;جبان تايمزraquo; في افتتاحية لها موقف الرئيس الأفغاني، حميد كرزاي، الرافض لإبرام اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة تحدد شروط بقاء قوات أميركية في أفغانستان بعد الموعد المحدد للانسحاب نهاية عام 2014، الأمر الذي دفع أوباما للتلويح بسحب جميع القوات وترك أفغانستان تتدبر مصيرها بنفسها. وهذا الموقف الصعب، تعتبره الصحيفة laquo;أنانيةraquo; من كرزاي الذي ربما يقدم مصالح خاصة على مصلحة البلد الأشمل، فعلى رغم اتفاق الطرفين على الملامح العامة للاستراتيجية الأمنية التي ستسمح للولايات المتحدة بإبقاء حوالي 15 ألف جندي للقيام بمهام التدريب وإسناد القوات الأفغانية، وضع كرازي جملة من الشروط والعراقيل التي تجعل التوقيع على الاتفاقية أمراً صعباً، فهو في مسعاه للحفاظ على نفوذه إلى ما بعد انتهاء ولايته في أبريل 2014، والتأثير على مجريات الأمور، اشترط على الولايات المتحدة عدم التدخل في الانتخابات، حيث كانت واشنطن ومعها العواصم الغربية قد انتقدت تعاطي كرزاي مع الانتخابات السابقة لما قيل إنه قد شابها من تجاوزات شككت في نزاهة العملية الانتخابية. كما طالب كرزاي أيضاً بوقف تفتيش البيوت الأفغانية على يد القوات الأميركية، علماً بأن ذلك لا يحدث حسب مسودة الاتفاق إلا في حضور عناصر من القوات الأفغانية، وفي حالات محدودة جداً. ناهيك عن مطالبته بوقف استخدام الطائرات بدون طيار. والحال تقول الصحيفة إن ما يحرك كرزاي هو ضمان مصالحه ونفوذه في الخريطة السياسية الجديدة بعد الانتخابات المقبلة، وذلك من خلال الضغط على الولايات المتحدة لتحقيق مطالبه والظهور أمام الرأي العام الأفغاني على أنه حريص على سيادته البلد، سواء من خلال إصراره على وساطة واشنطن لفتح حوار بين حكومته وحركة laquo;طالبانraquo;، أو من خلال ترتيب الأجواء وتمهيد الطريق للمرشح الذي يختاره حتى يظل نفوذه مستمراً بعد مغادرته السلطة. والنتيجة ستكون، تقول الصحيفة، التضحية بمصالح أفغانستان، ولاسيما إذا مضى أوباما قدماً في سحب جميع قواته وتعريض أمن البلد للخطر.

الحاجة إلى مانديلا

خصصت صحيفة laquo;ميل أند جارديانraquo; الجنوب أفريقية افتتاحية للحديث عن وفاة نيلسون مانديلا وما تمثله في هذه اللحظة المهمة من تاريخ ومستقبل البلاد التي ناضل من أجل تحررها واتباعها لنظام ديمقراطي تعددي. وتقول الصحيفة إنها ليس المرة الأولى التي يودع فيه الجنوب أفريقيون زعيمهم الملهم، بل تعودوا على ذلك وتمرنوا عليه طويلاً من خلال المحطات السابقة التي اختار فيها مانديلا الترجل والانسحاب، سواء عندما رفض تجديد ولاية ثانية في الرئاسة عام 1999، مفسحاً المجال أمام مناضلين آخرين وجيل جديد، أو عندما انسحب نهائياً من الحياة السياسية في عام 2004، رافضاً أن يكون له أن أي دور. والسبب أن مانديلا حسب الصحيفة لم يرد لشخصه أن يتحول إلى أسطورة، بل أصر طيلة حياته على طابعه الإنساني البسيط والمتواضع البعيد عن التطلعات السياسية. كما أنه أراد من خلال ابتعاده عن الشأن العالم تمرير رسالة قوية عن جنوب أفريقيا التي يجب أن تكون دولة مؤسسات، وليس دولة أشخاص. ولذا تؤكد الصحيفة أن غياب مانديلا عن عالمنا لا يعني غيابه عن الوجدان والوعي الأفريقي فقد أصبح من المفردات الراسخة في الحياة السياسية ومرادفاً للرغبة في التحرر والانعتاق، مع تأكيد خاص على أن هذا التحرر يجب أن يقود إلى نظام ديمقراطي وتعددي. ولأن الصراع والنضال كان وما زال من أجل جنوب أفريقيا تتسع للجميع وتوفر الخدمات الأساسية لكل المواطنين وتعالج المشاكل المستعصية من فقر وجريمة وغيرهما، فإن الحاجة إلى روح مانديلا ومبادئه ما زالت قائمة.

العلمانية في تركيا

طرح الكاتب والصحفي التركي، مصطفى أيكول، في مقاله المنشور على صفحات laquo;حرييتraquo; يوم الأربعاء الماضي فكرة أساسية مفادها أن تركيا في حاجة إلى الدولة العلمانية، وأن هذه الأخيرة ضرورة قد تجنب البلاد المزيد من الصراعات السياسية ومحاولة طرف ما السيطرة على الدولة واحتكار السلطة السياسية، وسياق هذا الكلام، كما يوضح الكاتب، هو الصراع الآخذ في التصاعد بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وحركة فتح الله جولين الإسلامية ذات الميول الصوفية، فخلافاً للصراعات التي أثثت المشهد السياسي التركي في العقود السابقة، والتي كانت دائماً تقسم النخبة السياسية بين محافظين إسلاميين وعلمانيين قوميين يطلق عليهم أيضاً وصف laquo;الكماليينraquo;، تغيرت ملامح الصراع اليوم بعد الانتصار الذي حققه المعسكر المحافظ والمكاسب التي راكمتها تركيا على الصعيد الاقتصادي والانفتاح السياسي في عهد العدالة والتنمية. فإذا كانت الجائزة الكبرى من هذا التدافع ما زالت هي نفسها، يقول الكاتب، والمتمثلة في بسط السيطرة على الدولة والتحكم في الإدارة السياسية، فإن أطراف الصراع تغيروا بعدما دخلت حركة فتح الله جولين بقوة على الخط وباتت تنافس المحافظين التقليديين كما يجسدهم حزب العدالة والتنمية. وهنا، يقول الكاتب، يأتي دور الدولة العلمانية باعتبارها حكماً يظل بمنأى عن هذه الصراعات، ويحول دون احتكار السلطة السياسية مهما كانت أيديولوجية الطرف الساعي إلى ذلك إسلامية، أو غير إسلامية، لأن في احتكار السلطة تمهيداً لظهور الاستبداد، ولكن العلمانية التي يتحدث عنها الكاتب تختلف عن تلك التي كانت موجودة في تركيا والتي تناصب الدين العداء. بل هي علمانية على الطريقة الأميركية، حيث تلتزم الدولة الحياد دون التدخل لغير صالح الدين، وبمعنى آخر إنها دولة علمانية ليبرالية تختلف عن النموذج الكمالي وفي الوقت نفسه تمنع سيطرة فصيل معين على عموم الدولة.

إعداد: زهير الكساب