ليز سلاي


أعلنت الحكومة الأميركية الأربعاء الماضي عن تعليق قرار إرسال المساعدات غير الفتاكة لثوار المعارضة السورية بسبب سيطرة جماعة إسلامية متشددة على مستودعات تخزينها، وهو إجراء من شأنه إضعاف سلطة الجماعات المعارضة المعتدلة التي كانت تلقى الدعم من أميركا وحلفائها الغربيين.

وتواصل الولايات المتحدة إرسال المساعدات الإنسانية للمدنيين السوريين المتضررين من استمرار الحرب الأهلية لمدة طويلة. وقال مسؤولون أميركيون، إن البرنامج السري لتزويد الثوار بالأسلحة الخفيفة والذخائر في المنطقة الجنوبية من سوريا لا يزال متواصلاً.

إلا أن تعليق المساعدات الغذائية والأجهزة الطبية والشاحنات وأجهزة الاتصالات الموجهة لثوار المعارضة في الشمال، يعكس تقلص التأثير الأميركي على الجماعات المسلحة التي تناهض حكم بشار الأسد. وأصبحت أعداد متزايدة من هذه الجماعات التي تشتكي من نقص المساعدات الغربية، تعلن عن تحالفها مع الجماعات الإسلامية التي تتلقى مساعدات مالية أكثر من بعض الدول.

وتمكنت laquo;الجبهة الإسلاميةraquo; التي تشكلت مؤخراً، وتضم أكبر الفصائل الإسلامية في سوريا، من السيطرة على مستودعات تخزين المساعدات. وقال محللون وبعض قادة المعارضة، إن أخبار اتساع نفوذ laquo;الجبهة الإسلامية الجديدةraquo;، وإعلانها الصريح عن أنها غير مرتبطة بتنظيم laquo;القاعدةraquo;، لم يترك أمام واشنطن إلا خيار التعامل معها إذا أرادت إنعاش أملها باستعادة نفوذها في أوساط المعارضة السورية.

وكانت سلسلة المستودعات التي تنتشر على تخوم بلدة ldquo;عتمةrdquo;، تقع تحت سيطرة المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر، والذي وقع عليه الاختيار في شهر يونيو الماضي، باعتباره الطرف الرئيسي الذي يتسلّم المساعدات الأميركية. ولعل الشيء الأكثر أهمية من المحتويات الهزيلة المخزونة في هذه المستودعات، هي الشرعية الدولية التي يحظى بها قائد المجلس العسكري الأعلى اللواء سليم إدريس كمفاوض في محادثات السلام التي ينتظر أن تنطلق في جنيف يناير المقبل.

ويوم الجمعة الماضي، أخبرت الجبهة الإسلامية مقاتلين تابعين للمجلس العسكري الأعلى بأن جماعة ترتبط بتنظيم القاعدة تحضّر مقاتليها لهجوم واسع النطاق للسيطرة على المستودعات، وعرضت تقديم المساعدة للتصدي لها. وما لبث مقاتلوها أن طردوا ثوار المجلس العسكري الأعلى تحت تهديد السلاح. وليس من الواضح ما إذا كان هناك ثمة وجود فعلي للقاعدة هناك، ويعتقد بعض مقاتلي المجموعات المسلحة بأن هذا التحذير الذي أطلقته الجبهة الإسلامية لم يكن إلا خدعة تهدف إلى الابتزاز.

وتحتوي المستودعات مواد غذائية، وبعض التجهيزات العسكرية الخفيفة والأجهزة الطبية وأدوات الاتصالات، وبعض الشاحنات الصغيرة ldquo;البيك آبrdquo;، وهي التي تطابق مواصفات المساعدات التي أعلنت عنها الولايات المتحدة ضمن برنامج بلغت قيمته 16.9 مليون دولار. وتحتوي المباني التي توجد فيها المستودعات على كميات من الأسلحة الخفيفة والذخائر مجهولة المصدر، وفقاً لما قاله معارض كبير مقرب من الثوار طلب عدم الكشف عن إسمه بسبب الحساسية الشديدة للموضوع.

وقالت ldquo;جنيفر بساكيrdquo; الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية: ldquo;إننا قلقون، ونحن غير مستعدين في الوقت الراهن لنشر تفاصيل أكثر حول خلفيات ما حدث وما ستترتب عليه من تداعيات. ونقوم الآن بإجراء اتصالات مع المجلس العسكري الأعلى في هذا الشأن، وسنفهم بمضي الوقت ما تعنيه هذه الأحداثrdquo;.

وهذه المساعدات غير الفتاكة التي وعدت إدارة أوباما بتقديمها الربيع الماضي، لم تؤدِّ إلى حدوث تغيّر يُذكر في القدرة القتالية لثوار المعارضة التي قال قادتها إن هذا يُعدّ أحد أسباب نمو النزعة الانفصالية للعديد من المقاتلين عن المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحرّ. ولم يتم تسليم المعارضة العديد من التجهيزات الموعودة مثل الدروع الفردية الواقية من الرصاص ومناظير الرؤية الليلية. وتوقفت عمليات تسليم هذه المساعدات بسبب سيطرة الجبهة الإسلامية لدولة العراق والشام التابعة لتنظيم القاعدة على بعض النقاط الحدودية شمال سوريا، وهي التي صنفتها واشنطن ضمن الجماعات الإرهابية.

والآن، تمارس ldquo;الجبهة الإسلاميةrdquo; الجديدة التي تضم العديد من الفصائل السلفية، ضغطها لقبول انضمامها إلى المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر، وأعلنت عن عدم اهتمامها بما ستسفر عنه محادثات جنيف، وفقاً لما قاله قادة عسكريون تابعون لها. وهذه المحادثات هي الأولى من نوعها بين حكومة الأسد والمعارضة منذ اندلاع الثورة المسلحة قبل نحو ثلاث سنوات.

وانتقد ldquo;لؤي المقدادrdquo; الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الأعلى قرار تعليق المساعدات، ووصفه بأنه متعجّل. وقال إنه كان في انتظار عقد جولة مفاوضات سريعة بين ldquo;الجبهة الإسلاميةrdquo; والمجلس العسكري الأعلى لحل الخلافات المتعلقة بمستودعات تخزين المساعدات.

وقال المقداد: laquo;لم يكن ما حدث إلا سوء تفاهم بين إخوة، ولقد كان قرار الإدارة الأميركية يتسم بالتسرّع، ونحن نتفهم مخاوفهم، ونأمل أن يعيدوا النظر في قرارهمraquo;. وأضاف المقداد أن المجلس سوف يرحّب بصيغة لإدماج الأحزاب الإسلامية، وشدد على القول: laquo;إننا منفتحون على الجميع، وهذا هو وقت الاتحاد والتلاحم جميعاً ضد النظام السوريraquo;.

إلا أن التوقعات باتحاد الثوار تتضاءل أمام تخوف الولايات المتحدة من أن يضم التحالف الجديد أحزاباً وجماعات إرهابية تخضع للعقوبات، أو للتصنيف ضمن الجماعات الإرهابية، مثل جبهة النصرة.

وقام بعض المسؤولين الأميركيين بعقد اجتماعات مع قادة ldquo;الجبهة الإسلاميةrdquo; خلال الأسابيع القليلة الماضية للتعرف على توجهاتهم ورؤاهم، وفقاً لما قاله قادة من الثوار ومسؤولين أميركيين. وعلى الولايات المتحدة أن تقرر الآن ما إذا كانت تريد الاحتفاظ ببعض قوة التأثير على المعارضة السورية المسلحة، وهو ما يعني التقارب مع الإسلاميين غير المنضوين تحت لواء تنظيم ldquo;القاعدةrdquo;، أو ترك الأمور لتقررها الأحداث الواقعة على الأرض، والتي تؤشر إلى زيادة نفوذ الجماعات الإسلامية المتطرفة التي لا تمتلك الولايات المتحدة أي نفوذ عليها.

بيروت

ينشر بترتيب خاص مع خدمة laquo;واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفسraquo;