عبدالله خليفة الشايجي

لا يمكن للمراقب للشأن الخليجي إلا أن يستنتج الكثير من جملة التطورات والمؤتمرات والمناقشات التي توجت بالقمة الرابعة والثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي في الكويت، ومؤتمر laquo;حوار المنامةraquo;، ومؤتمرlaquo;أمن الخليج العربيraquo; الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بالشراكة مع مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية، في أبوظبي، وقبله المؤتمر الأول لقسم العلوم السياسية في جامعة الكويت الذي انعقد تحت عنوان: laquo;التحديات التي تواجه دولة الكويت ومنطقة الخليج العربي في العقد القادم: 2013-2020raquo;، ولا يملك المراقب إلا أن يستنتج هنا محورية وثقل منطقة الخليج العربي، وتحولها إلى القلب والمحرك الرئيسي في النظام الإقليمي العربي.

وقد عُقدت القمة الخليجية التي استضافتها الكويت وسط تحولات كبيرة ومعقدة على المستويين الإقليمي والعالمي، وتغيرات في السياسات الإقليمية والدولية. فهناك خلاف وتباين داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي حول الاتحاد وأمور أخرى تتعلق بالاستحقاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية. وهناك أجواء تقارب إيراني مع بعض القوى الكبرى وخاصة الخصم الأميركي تترجم بالاتفاق التمهيدي في 24 نوفمبر الماضي، وسط مخاوف من انعكاس ذلك ليس فقط على برنامج إيران النووي كما يشير إليه الاتفاق التمهيدي، بل قد يمتد التقارب أيضاً ليشمل ترتيبات وهيكلية جديدة قد تكون على حساب حلفاء واشنطن في مجلس التعاون الخليجي. ولذلك كان رد الفعل الإقليمي على ذلك التقارب الدولي مع إيران خاصة بعد التباين مع واشنطن حول سياساتها ومواقفها من مصر وسوريا والعراق ولبنان والبحرين... وكذلك هناك إعادة تموضع للعلاقات بين تركيا وإيران والصعود الروسي وعودة أنشطة laquo;القاعدةraquo; وزيادة الفرز المذهبي والطائفي في المنطقة، وخاصة بسبب ما تفرزه الحرب الأهلية وحرب الوكالة في سوريا ومخاطر تمددها من بلاد الشام إلى بقية المنطقة... بالإضافة إلى الانطباع الذي بدأ يتبلور لدى حلفاء واشنطن القلقين مما يشبه الانكفاء والتراجع الأميركي -على رغم طمأنة الرئيس أوباما ووزير خارجيته وكذلك وزير دفاعه في laquo;حوار المنامةraquo; مؤخراً حول التزام واشنطن بأمن منطقة الخليج العربي. ولكن ما هو واضح هو أن واشنطن تبحث عن ترتيبات أمنية جديدة وإعادة رسم لأمن منطقة الخليج بتوازن للقوى بين حلفائها التقليديين وإيران للحفاظ على الوضع laquo;الستاتيكوraquo; في المنطقة. وهذا ما يُقلق دول الإقليم. ولذلك كانت الدعوة لمزيد من التنسيق والتقارب الأمني والاستراتيجي، والمطالبة بتفعيل استحقاق الانتقال من مرحلة التعاون التي استمرت لأربعة وثلاثين عاماً إلى الاتحاد.

ويُضاف إلى ذلك كله ما برز قبيل انعقاد القمة من مواقف وتصريحات ملفتة في المؤتمر السنوي الذي يعقده مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في لندن -والذي يُعقد سنوياً في العاصمة البحرينية المنامة- ويُعرف بـlaquo;حوار المنامةraquo;، بمشاركة كبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين والعسكريين وخاصة من وزراء خارجية ودفاع وأمن وطني من دول مجلس التعاون الخليجي. وقد شهد هذا العام مشاركة وزير الخارجية الإماراتي سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، ورئيس جهاز الأمن الوطني الكويتي الشيخ ثامر الصباح، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي السابق الشيخ محمد الصباح، ونائب وزير الخارجية السعودي نزار مدني، ومسؤولين من دول الجوار الخليجي، ودول كبرى مثل الولايات المتحدة التي ترأس وفدها وزير الدفاع الأميركي تشاك هاجل، ووزير الخارجية البريطاني ويليام هيج، هذا إضافة إلى وزراء خارجية من دول أوروبية وآسيوية.. وكان ملفتاً في laquo;حوار المنامةraquo; صدور التطمينات غير المعتادة لحلفاء واشنطن في دول مجلس التعاون الخليجي خاصة من وزير الدفاع الأميركي laquo;هاجلraquo; الذي سعى لطمأنة دول المنطقة على أن الاتفاق التمهيدي بين إيران والقوى الكبرى حول البرنامج النووي لا يعني أن laquo;التهديدات الأمنية من إيران قد انتهت وتراجعتraquo;. وأن الخيار العسكري للتعامل مع إيران لا يزال من ضمن الخيارات، هذا فضلاً عن laquo;امتلاك واشنطن قدرات عسكرية معقدة ولا تضاهى -لا يوجد هدف لا يمكننا الوصول إليهraquo;. وأن التزام واشنطن بأمن حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي سيبقى ثابتاً بقواعد وقوات تتجاوز 35 ألف عسكري و40 قطعة بحرية، والتعهد ببيع أسلحة متطورة وخاصة في مجال الدفاعات الصاروخية، ومساعدة واشنطن على دمج نظام الإنذار المبكر لأنظمة الدفاع الصاروخية لدول المجلس للتنسيق الأمني المشترك، وهو ما تسعى واشنطن للدفع به. كما كان ملفتا أيضاً، وكجزء من الطمأنة الأميركية للحلفاء في دول مجلس التعاون، اقتراح laquo;هاجلraquo; مشاركة وزراء دفاع دول المجلس ضمن laquo;المنتدى الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجيraquo; الذي بدأ تفعيله في مارس 2012 وعقد ثلاثة اجتماعات، وأن يشمل اجتماعاً لوزراء دفاع دول مجلس التعاون فيما بينهم، على أن يكون الاجتماع الأول خلال الأشهر الستة القادمة.

وسارعت دول المجلس في قمة الكويت إلى تبني laquo;إنشاء قيادة عسكرية موحدةraquo; بين دول المجلس لتكون خطوة أولية في الطريق إلى laquo;الاتحادraquo; الذي لم يُناقش بسبب موقف عُمان في laquo;حوار المنامةraquo;، الذي أكدت فيه عدم معارضتها للاتحاد، ولكنها لن تنضم إليه، وإذا أُعلن فإن laquo;عُمان ستنسحب ببساطةraquo;، ما كان له صدى وارتدادات محسوسة في دول المجلس وإيران والمنطقة.

وعلى تلك الخليفة المعقدة والترتيبات والتغيرات المتسارعة في أجواء ومناخات جديدة، التي علقنا عليها في مقالات عديدة خلال الأشهر الماضية في laquo;الاتحادraquo;، عُقدت القمة الخليجية في الكويت، التي تجنبت الخوض في القضايا الخلافية وخرجت بشكل متوافق laquo;لتحقيق آمال وتطلعات شعوب الدول الخليجية المنشودةraquo;. ولعل أهم ما ركزت عليه هو إنشاء قيادة عسكرية موحدة وشرطة خليجية -أنتربول خليجي- للتنسيق الأمني، ونظام قضائي موحد.

وقد أكد laquo;بيان الكويتraquo; السعي laquo;لتعزيز العمل الجماعي لتحصين دول التعاون مما يهدد أمنهاraquo;، وتضمن 49 بنداً شملت مختلف الشؤون والمواقف السياسية والاقتصادية والبيئية والعسكرية المشتركة، والتنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب والشؤون القانونية والعلاقات مع إيران وقضية احتلال الجزر الإماراتية الثلاث والبرنامج النووي الإيراني والشأن السوري، واللبناني، واليمني، والعراقي، وأزمة مسلمي ميانمار، ودعم جمهورية جيبوتي، ودعم الموقف السعودي بإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتجديد لفترة ثانية للأمين العام الحالي لفترة ثلاثة أعوام تبدأ في أبريل 2014.

واضح أن قادة دول المجلس غلّبوا في قمة الكويت مجدداً التوافق على التباين، وأجلوا مناقشة الاتحاد والقضايا الخلافية إلى قمة أخرى بانتظار المزيد من الدراسة، ولتجنب ظهور أية نتوءات تباين علناً. ولكن المطلوب من المجلس اليوم أكبر وأعقد وأشمل. فلم تعد السياسات والتفكير التقليدي داخل الإطار المعتاد لدول المجلس في ظل التغيرات وتبدل التحالفات وتشكيل محاور إقليمية تسمح لدول المجلس وشعوبه بالاستمرار بالسياسة التقليدية. لم نعد نملك ترف تسويف وتأجيل وترحيل القضايا الحساسة والخلافية إلى قمم ولقاءات مستقبلية، لأن ذلك سيبقينا نراوح مكاننا دون تقدم، وقد يؤكد لشعوبنا أننا غير متفقين على القضايا الجوهرية، ويؤكد لخصومنا أننا على رغم قدراتنا الكبيرة، لم نتحول بعد إلى رقم صعب يردعهم ويمنعهم من التجرؤ علينا، وبحيث يُحسب لنا حساب في معادلة الأمن الإقليمية!