عبدالعزيز العويشق

يمكن النظر إلى مقترح quot;الاتحاد الخليجيquot; كمرحلة للوصول إلى الهدف المنصوص عليه في النظام الأساسي، يمكن تحقيقه في الوقت الحاضر بعد نضوج تجربة مجلس التعاون التي مر عليها أكثر من 32 عاما


في 10 و11 ديسمبر، استضافت الكويت القمة الـ(34) لقادة مجلس التعاون، وقد رفع هذا الاجتماع من توقعات مواطني دول المجلس بشأن الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين منذ عامين.
فكما تتذكر، في قمة الرياض، التي عُقدت يومي 19 و20 ديسمبر 2011، رحب وبارك قادة دول مجلس التعاون بالاقتراح المقدم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، لـquot;تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد لتشكل دول المجلس كيانا واحدا يحقق الخير ويدفع الشر استجابة لتطلعات مواطني دول المجلس، ولمواجهة التحديات التي تواجههاquot;، كما جاء في الإعلان الذي صدر عن تلك القمة.
ومنذ ذلك الوقت، كانت تلك المبادرة محل نقاش مستمر في الاجتماعات عالية المستوى، كقمة الكويت، ومشاورات ثنائية وجماعية بين الدول الأعضاء. وتم الاتفاق مسبقا على أن يتم الإعلان عن الاتحاد في قمة خاصة تُعقد لذلك الغرض في الرياض، ولذلك لم يكن مقررا أن يصدر الإعلان عن الاتحاد في قمة الكويت.
ومع أن تلك المشاورات بشأن الاتحاد لم تستكمل بعد، إلا أن المشروع قطع أشواطا كبيرة. وخلافاً لما نُشر في بعض الصحف، ليس ثمة خلاف في الحقيقة على كون وحدة دول المجلس هي الهدف المنشود، كما نص عليه النظام الأساسي لمجلس التعاون منذ تأسيسه في عام 1981، وإن كان هناك حوار عميق وشامل، وهو حوار صحي، حول آلية الوصول إلى تلك الوحدة.
فالمادة (4) من النظام الأساسي لمجلس التعاون تنص على أن هدفه الأول هو quot;تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتهاquot;، وتم التأكيد على هذا الهدف في كثير من الاتفاقيات والبيانات والقرارات التي صدرت منذ تأسيس المجلس. فعلى سبيل المثال، عندما أقرت الاتفاقية الاقتصادية في عام 2001، كان واضحا أن توحيد دول المجلس اقتصاديا هو هدفها الرئيس. وتجد في كل صفحة من تلك الاتفاقية تقريبا كلمات quot;الوحدةquot; وquot;التوحيدquot; وquot;الاتحادquot; كمبادئ وأسس للعمل الخليجي المشترك.
وهناك فرق في مداولات مجلس التعاون بين مفهوم quot;الوحدةquot;، التي نص عليها النظام الأساسي وتشكل مرحلة متقدمة من الاندماج بين دوله، وبين quot;الاتحادquot; الذي يشير إلى مستوى أقل من الاندماج. ولذلك يمكن النظر إلى مقترح quot;الاتحاد الخليجيquot; كمرحلة للوصول إلى ذلك الهدف المنصوص عليه في النظام الأساسي، يمكن تحقيقه في الوقت الحاضر بعد نضوج تجربة مجلس التعاون التي مر عليها أكثر من 32 عاما.
ولذلك جاءت الإشارة في البيان الذي صدر بشأن الاتحاد في قمة الرياض منذ عامين إلى المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس؛ لإيضاح أن الاتحاد المطروح منطلق من إجماع دول المجلس، ويهدف إلى تحقيق رؤيتها التي تضمنها النظام الأساسي. ولما لم يكن هناك خلاف على أن quot;الوحدةquot; هي الهدف النهائي لمجلس التعاون، فمن باب أولى ألا يكون هناك خلاف حول الترتيبات المرحلية التي تسبق تلك الوحدة، مثل مقترح الاتحاد.
وبهدف وضع اللبنات الأساسية للاتحاد، شكل المجلس الأعلى quot;هيئة متخصصةquot; عالية المستوى، تتكون من 18 عضوا، ثلاثة من كل دولة، وكان من ضمن أعضائها أمناء سابقون لمجلس التعاون، ووزراء سابقون وحاليون، وممثلون لقطاع الأعمال وغيرهم.
واختتمت الهيئة أعمالها في عام 2012، وقدمت تقريرها النهائي لقادة دول المجلس الذين وجهوا المجلس الوزاري quot;وزراء الخارجيةquot; ورئيس الهيئة بدراسته والتوصية بشأنه، وتم الاتفاق على أن ترفع توصيات المجلس ورئيس الهيئة إلى قمة تُخصص لهذا الغرض وتعقد في الرياض.
ويحتوي تقرير الهيئة المتخصصة على تصور متكامل لشكل الاتحاد ومؤسساته، تم ترجمتها لاحقا على شكل مشروع للنظام الأساسي للاتحاد، بمثابة تعديل للنظام الأساسي لمجلس التعاون يعكس ما ورد في تقرير الهيئة.
ويعيد مقترح الهيئة التأكيد على ما تضمنه النظام الأساسي بشأن الحفاظ على سيادة الدول الأعضاء. وهو أمر مسلم به، على غرار ما يتم في الاتحادات الإقليمية الأخرى. ويهدف التصور الجديد إلى وضع آلية واضحة لتنفيذ أهداف الاتحاد، تستفيد من تجربة مجلس التعاون، وتتجنب مواضع الضعف أو القصور فيها، تصمم إطارا شفافا ومتسقا للعمل، يدار بحرفية ويوضح حدود المسؤولية وآليات المتابعة والتقييم والمساءلة.
فعلى سبيل المثال، يختلف التصور المقترح بشأن آلية عمل الاتحاد عن طريقة عمل مجلس التعاون في وضعه الحالي، الذي يعتمد اعتمادا شبه كلي على نظام اللجان التي تمثل فيها الدول الأعضاء، وتتخذ جميع التوصيات والقرارات من خلالها. فهناك عشرات من اللجان الوزارية، ومئات من اللجان الفنية والفرعية، وفرق ومجموعات العمل... إلخ. ويمر كل موضوع، سواء كان كبيرا أو صغيرا، بسلسة من هذه اللجان، إلى أن يُرفع إلى المجلس الوزاري أو المجلس الأعلى لاتخاذ القرار النهائي. وكثيرا ما يتم تدوير المواضيع من اجتماع إلى اجتماع، ليس بسبب وجود اختلاف حقيقي في الآراء بين الدول الأعضاء، بل بسبب محدودية الوقت والمعلومات لدى تلك اللجان، التي تجتمع مرة أو مرتين في السنة، لفترات قصيرة لا تتجاوز بضع ساعات في أغلب الأحيان. ولذلك تجد بعض المواضيع تظل في عهدة اللجان سنوات طويلة دون التوصل إلى حل بشأنها، مما أسهم في بطء وتيرة الإنجاز في المجلس.
ولذلك فإن الاتحاد المقترح يهدف إلى استبدال ذلك بنظام مبسط، يقوم على وجود أجهزة دائمة ومتفرغة، تُشرف عليها الدول الأعضاء بصفة مباشرة، من خلال ممثلين دائمين لها، يعملون بصفة مباشرة ودائمة مع تلك الأجهزة. كما ستستمر المجالس الرئيسة الحالية في ممارسة دورها في توجيه أجهزة الاتحاد ورسم سياساته.
وللتأكد من سرعة تنفيذ القرارات، تتضمن المقترحات الحالية هيئة قضائية مهمتها النظر في القضايا التي تتعلق بتنفيذ القرارات، وتساعد على تنفيذه بشكل متكامل ومتناسق بين الدول الأعضاء.
وفي حين تستمر المشاورات بين دول المجلس بشأن المقترحات المتعلقة بالاتحاد، فإن المواطن يظل في انتظار استكمال وشيك لتلك المشاورات يتم في ضوئه البدء في مرحلة جديدة لتحقيق أهداف المنظومة الخليجية.