رندة تقي الدين


تشهد العلاقة الفرنسية - السعودية حالياً مرحلة تقارب وصداقة قلما شهدها البلدان في العهود السابقة رغم أنها كانت في عهد الرئيس السابق جاك شيراك جيدة. إلا أن العلاقة في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي مرت بمرحلة مطبات وانتكست بعض الشيء بسبب شخصية ساركوزي الكثير الانفعال والذي لا يصبر على قرارات تأخذ وقتاً في المملكة وذلك بعد أن خسرت فرنسا عقد القطار بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. أما الآن ومع استعداد هولاند للقيام بزيارة دولة إلى السعودية في نهاية الأسبوع المقبل هي زيارته الثانية إلى المملكة منذ توليه الرئاسة، فإن سياسته الخارجية ومواقفه إزاء سورية ولبنان وإيران ومصر أدت إلى تقارب وثقة متبادلة وتنسيق مستمر مع السعودية. إن مما لا شك فيه أن خيبة الأمل لدى البلدين من الشريك الأميركي وسياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إزاء الأزمة السورية ساهمت بالتقارب بينهما. فأثر تراجع الرئيس أوباما عن قراره الذي كان ابلغه هاتفياً لنظيره الفرنسي بالقيام بضربة عسكرية على النظام السوري ما زال في الأذهان. وهذا رغم اعتذار جون كيري لمجموعة الـ ١١ في لندن منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما قال للوزراء انه يدرك الإرباك الذي حدث بعد تراجع أميركا عن الضربة العسكرية على منشآت النظام السوري. فالقرار الأميركي ادى الى تعزيز الموقف الروسي من بشار الأسد وأيضاً احرج شركاء اوباما الغربيين والعرب وفي طليعتهم الرئيس الفرنسي الذي دعاه اوباما لاحقاً الى زيارة دولة الى واشنطن في ١١ شباط (فبراير) المقبل لتصحيح هذه الخطوة بين حليفين مفروض ان تكون الثقة اقوى بينهما مما هي على الملف السوري ومؤتمر laquo;جنيف٢raquo; حيث الجانب الأميركي يهمل وضع فرنسا في صورة التحضيرات له.

وتزامنت هذه التطورات مع تعزيز كبير للعلاقة السعودية الفرنسية. فكثيراً ما يتحاور وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مع نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل الذي استقبله كصديق وبصفة شخصية في منزله الباريسي. والتنسيق مستمر بين الفريق الرئاسي الفرنسي والسفير الفرنسي في السعودية والجهات المسؤولة فيها. وقد لعب دوراً كبيراً في هذا التقارب فهم الجانب الفرنسي المسؤول عن الملف للسعودية وديبلوماسيتها. فالمستشار الرئاسي الفرنسي المسؤول عن الملف السعودي والعربي ديبلوماسي مستشرق لامع هو ايمانويل بون الذي عمل في السعودية وله صداقات عديدة فيها وأحب الفترة التي أمضاها في هذا البلد. وفهم التقاليد والعقلية وبقي على علاقة مع أصدقائه فيها. والسفير الفرنسي برتران بزاسنو الذي نشأ وتعلم في لبنان يمضي سنته الرابعة في السعودية وهو يحب البلد ويعرفه جيداً. وفي الخارجية الفرنسية ديبلوماسيون مستشرقون مسؤولون عن الملف يعرفون السعودية بعمق. فلا شك في أن ذلك من شأنه أن يعزز التقارب اضافة إلى تعاون اقتصادي بلغ مستواه ٧ بلايين دولار في مجالات مختلفة خارج المجال العسكري.

إن العلاقة الفرنسية السعودية المميزة كما يحب أن يذكر بها الجانبان تعود الى عهد الجنرال ديغول والملك فيصل بن عبد العزيز في ١٩٦٧. فزيارة هولاند الى السعودية تكرس علاقة ثقة وتطابق على ملفات عديدة في طليعتها سورية ولبنان وإيران. وباريس تعول على هذا التقارب للحصول من السعودية على موافقة لعقد مؤتمر في باريس لمساعدة ودعم لبنان في محنته امام قضية اللاجئين السوريين التي تتفاقم يومياً. فاللاجئون الآن بلغوا ٢٠ في المئة من عدد اللبنانيين وفي مستقبل قريب وفق الأمم المتحدة ستبلغ النسبة ٤٠ في المئة وهذا خطر بالغ على البلد الذي يعاني أيضاً فراغاً سياسياً خطيراً.

ان مما لا شك فيه ان زيارة هولاند إلى الرياض ستغير انطباعاً خاطئاً في بعض الأوساط ان هولاند تدخل عسكرياً في بانغي في افريقيا في سبيل إنقاذ المسيحيين ضد الإسلام. فهذا خطأ تقدير لأنه أدخل قواته الموجودة في المنطقة لوقف المجازر. فاختتام هولاند العام ٢٠١٣ في العاصمة السعودية في ٢٩ و٣٠ الشهر الجاري يتوج علاقة حرص هولاند على تعزيزها وتنشيطها فور تسلمه الرئاسة.