هدى الحسيني

رغم كل شيء، فإنه يبقى أن ما يجمع دول أغنى تكتل في العالم، تكتل يسيطر على 40 في المائة من النفط العالمي، أكثر مما يفرقها.

الكويت التي انعقدت القمة الخليجية فيها تدرك أن متانة الجبهة الداخلية ضرورية، في وقت توضع للمنطقة مشاريع جديدة ليس من المستبعد أن تطال دول مجلس التعاون الخليجي.

قبل انعقاد القمة، حاولت القيادة الكويتية تمهيد كل الطرق المؤدية إليها.. شعر الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أن هناك سحابة رمادية تعبر العلاقة السعودية - القطرية، فقام بمبادرة بين الطرفين. في اجتماعات اللجان لوحظ أن الفريق القطري يتحفظ على كل شيء يتعلق بمصر، فرأى الجانب الكويتي تطويق الأمر بالإشارة في البيان الأخير للقمة إلى رفض التدخل الخارجي في مصر ووقوف دول الخليج مع الشعب المصري.

سبق القمة في الكويت، laquo;حوار المنامةraquo; ومنه صدرت إيجابيات ومفاجآت، وكان الأكثر وقعا رد الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي على طرح نزار مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي الذي رأى ضرورة انتقال مجلس التعاون إلى مرحلة الوحدة. وفي حديث إلى صحيفة laquo;الأيامraquo; البحرينية في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أكد العلوي أن لبلاده تحفظات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية تجاه خطة الوحدة الخليجية، ثم رأى أنه لا يوجد داع لتوسيع درع الجزيرة العربية لأن laquo;المنطقة ليست في حالة حربraquo;، وأعلن أن عُمان لن تنضم إلى العملة الموحدة، لأنها تتمسك بضرورة أن يسود استقرار اقتصادي كل دول الخليج قبل بحث مسألة توحيد العملة.

ثم بدأ القادة الخليجيون في الوصول إلى الكويت، حيث صرح نائب رئيس الوزراء العماني فهد بن محمود آل سعيد خلال الاجتماعات التحضيرية أن عُمان تدعم بقوة كل جهود المجلس الخليجي إنما في إطاره الحالي، أي laquo;لا وحدةraquo;.. (laquo;الشرق الأوسطraquo; في 11 ديسمبر الحالي)، في حين نقلت laquo;العربية. نتraquo; عن الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، لدى وصوله إلى الكويت، أن حكمة قادة الخليج ستقودهم للبحث عن الوحدة.

وقد يكون المقال الافتتاحي لصحيفة laquo;المدينةraquo; السعودية في 10 ديسمبر الحالي اختصر التحفظ تجاه فكرة الوحدة بالإشارة إلى تخوف دول الخليج من أن تؤثر على استقلال كل واحدة منها، فأشار مطمئنا إلى تجربة الوحدة الأوروبية.

لكن، أمام اشتداد النقاش، أنقذ الأمير الكويتي الشيخ صباح الأحمد المؤتمر؛ إذ قال في الاجتماعات المغلقة إن كل الأمور التي لا نتفق عليها نحيلها إلى اللجان. وإلى هذا أشار البيان النهائي، ثم جاء تصريح الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي إلى صحيفة laquo;عكاظraquo; في 12 ديسمبر الحالي بأن قضية وحدة الخليج سيتداولها قادة مجلس التعاون الخليجي في قمتهم العام المقبل، والقمة المقبلة ستعقد في قطر.

صحيح أن الكل فوجئ بتصريحات الوزير العلوي، لأن إنجازات كثيرة تحققت واستفادت منها عُمان، لكن دولا خليجية أخرى تتحفظ بدورها حتى تجاه الكونفدرالية ولا تقبل أيضا بنموذج laquo;البنيلوكسraquo; بين بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، إنما في القلب الخليجي laquo;الموحدraquo;. هناك قلق يجمع كل دول الخليج العربي، وهو تدخل إيران في الشؤون الداخلية العربية، خصوصا في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. كما أن أسعار النفط المرتفعة عززت من قدرة إيران على تمويل وكلائها القدامى والجدد.. ثم إن هناك من قال إن رفض عمان للوحدة نابع من رغبتها في التوسط بين إيران والسعودية.

هذه الفكرة أشار إليها رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح عندما قال في لقائه مع الصحافيين: laquo;إننا ككويت مستعدون للقيام بوساطة بين إيران والسعودية إذا كان لدى بقية الأطراف قبول لهذا الشيءraquo;.

يبرر ساسة كويتيون الموقف العماني بأن العمانيين يفكرون جدا في الهوية العمانية وأنهم لا يريدون لها أن تضعف وهي مرتبطة تاريخيا بالإمبراطورية العمانية التي ظلت قائمة حتى انفصال زنجبار عام 1964، وهناك في زنجبار تآمروا مع جمال عبد الناصر ورئيس تنزانيا جوليوس نيريري ضد عُمان وبطشوا بالعرب بطشا قويا. يعتز العمانيون بالشخصية العُمانية لهذا يقاومون كل رموز الشخصية وهي في مفهومهم العملة وجواز السفر والعلم والسيادة.

نجحت الكويت في laquo;إنجاحraquo; القمة الخليجية لأنها انعقدت في ظروف دقيقة جدا بعد الاتفاق المبدئي الغربي وبالتحديد الأميركي مع إيران حول برنامجها النووي. هذا الاتفاق رحبت به القمة، لكن هذا الترحيب لا يلغي أن الخليجيين يتخوفون من صفقة بين أميركا وإيران على حسابهم. يريد الخليجيون أن تتعهد إيران بعدم التدخل وعدم فتح قنوات سرية في أوساط المجتمع الخليجي.

عام 1986 استصدرت دول مجلس التعاون الخليجي قرارا دوليا بأن الممرات المائية الخليجية هي شأن دولي يخضع للقانون الدولي. ثم يأتي اليوم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ليقول إن الخليج بحيرة إقليمية ثلاثية يقوم استقرارها على التفاهم بين إيران، والعراق ومجلس التعاون الخليجي، سيتبع ذلك من دون شك إخلاؤه من العناصر الأجنبية. يرد الخليجيون بأن الخليج دولي، وكل العالم له علاقة به لأنه المصدر الأقوى للطاقة ويساهم في الانسجام العالمي وكذلك في السلام العالمي. إذن هذه نقطة خلاف جوهرية.

أيضا قبل انعقاد القمة في الكويت لمح ظريف إلى استعداد بلاده لبحث مستقبل جزيرة أبو موسى مع دولة الإمارات العربية، لكن حسب مصادر موثوقة، إيران مستعدة لأن تبحث تقاسم مستقبل الجزر المتنازع عليها مع الإمارات لكنها غير مستعدة لأن تفك قاعدتها العسكرية في جزيرة أبو موسى أو تجلي عنها قواتها المسلحة.

في لندن قبل أيام قال مقرب من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي: laquo;ماذا يهم ما يقوله الخليجيون عن إيران، المهم من يسيطر الآن على العراق؟ نحن، وعلى سوريا؟ نحن، وعلى ثلاثة أرباع أفغانستان؟ نحنraquo;.

وإذا كانت الكويت في القمة الصدر الذي تلقى كل المفاجآت واستوعبها، فهي أيضا لديها قلق من تهاوي الاستقرار في العراق، وقد أشار رئيس الاستخبارات الكويتية الشيخ ثامر الصباح (laquo;رويترزraquo; 12 ديسمبر الحالي) إلى هذا: laquo;في النهاية، إن أطول حدود للكويت هي مع العراق، واللااستقرار هناك له تأثير مباشر وعميق عليناraquo;. وعبر الشيخ ثامر الصباح عن ألمه لأن الحكومة العراقية لم تعتقل قائد الميليشيا العراقية المدعوم من إيران واثق البطاط الذي قال إن مجموعته ميليشيا laquo;جيش المختارraquo; وراء الصواريخ التي أطلقت أخيرا على الحدود السعودية. وقال الشيخ الصباح: laquo;يؤلمنا تردد الحكومة العراقية في اعتقاله، كذلك إدانتها الخجولة لهجمات واثق البطاطraquo;.

في حين أن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي أكد في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني حسن روحاني أن العراق سيلاحق قتلة عمال إيرانيين قضوا في هجوم مسلح شمال شرقي بغداد، وأدان هو هذا العمل الإرهابي.

في قمة الكويت كانت هناك تباينات لا خلافات، وكما قال وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح: laquo;مسيرة بدأناها كمجموعة ونواصلها كمجموعةraquo;.