محمد ابوالفضل


يبدو أن قدر مصر حاليا أن تحيط بها تحديات كبيرة داخل حدودها وعلي أطرافهاrlm;.rlm; وإذا كان النوع الأول مصادره معروفة وطرق التعامل معه معلومةrlm;,rlm; فإن الثاني بحاجة إلي اهتمام واستنفار لمواجهة التقلباتrlm;.rlm;

ولعل التوترات الحالية في السودان, بشقيه الجنوبي والشمالي, تدفعنا لمزيد من التدبير لصد العواصف القادمة من هناك.
محاولة الانقلاب الفاشلة في دولة جنوب السودان قبل أيام, هي بمثابة جرس إنذار أن الأوضاع غير مستقرة في هذه الدولة الوليدة, والتي لدينا معها سلسلة طويلة من المصالح الاستراتيجية, لأنها إحدي دول حوض النيل, ونسعي إلي اعادة ترتيب الأوراق معها جميعا للحفاظ علي حصصنا المائية. لذلك فما جري من اشتباكات مسلحة خلال الأيام الماضية في جوبا, يستلزم الحذر والمتابعة, لأن المعركة السياسية داخل حزب الحركة الشعبية الحاكم بين جناح الرئيس سلفا كير ونائبه( في الحزب) اللدود رياك مشار لم تنته, بل تنتظرها فصول ممتدة, ستؤثر تداعياتها القريبة والبعيدة علي مصر. فقد خرجت الخلافات بين الرجلين من الساحة السياسية إلي فضاء مسلح, سوف تكون له عواقب وخيمة في بلد, خرج للتو من حرب أهلية طويلة, ويتكون من تركيبة قبلية عجيبة, ومليء بميليشيات حرفتها القتال في الغابات, حتي التمرد أصبح صناعة جنوبية بامتياز. وما حدث من مشار ضد الرئيس سلفا كير يعيد للأذهان قائمة الانشقاقات التي خاضها الأول في مرحلة سابقة, ويؤكد أن محاولة الإقصاء السياسي ـ التي قام بها الثاني ضد مشار ورفاقه في يوليو الماضي ـ فشلت في إسكات صوته, وربما زادته ارتفاعا.
القلق الذي تتوالي ملامحه في الجنوب, سبقته مؤشرات قوية في الشمال. فالنظام الحالي في الخرطوم يخوض معارك سياسية ومسلحة ضد مجموعة متفرقة من الخصوم منذ فترة, زادت حدتها خلال الأسابيع الماضية, بعد أن انتقلت معالمها من جبهات القتال المحدودة إلي الشوارع الفسيحة, ومن الغرف المكيفة التي دأبت قوي المعارضة السودانية علي الجلوس فيها إلي الناس البسطاء. وكانت المظاهرات والاحتجاجات التي عمت العاصمة الخرطوم وعددا من المدن الأخري, دليلا كافيا علي أن النظام الحاكم يمكن أن يلفظ أنفاسه, خاصة أن النيران بدأت تلحق بثياب حزب المؤتمر الوطني الحاكم, وتشتعل معركة جديدة بين عدد من قياداته. كل هذه العوامل دفعت الرئيس عمر البشير لإجراء عملية تغييرات مفاجئة, طالت عددا من المسئولين الكبار, واستبدلت وجوها إسلامية بأخري تنتمي للمؤسسة العسكرية, علي أمل امتصاص الغضب في الشارع, والإيحاء للجماهير أن الرئيس استجاب لمطالبها بالتغيير, وتأكيد الوفاء للجيش الذي يتجه مباشرة للقبض علي زمام الحكم, قبل أن تهب عليه رياح تتجاوز حدود الفوضي حاليا.


التوتر الحاصل في الحالتين, الجنوبية والشمالية, سوف تؤثر نتائجه علي مصر من ثلاث زوايا. الأولي, أن استقرار الأجواء لصالح الفريق الحاكم هنا وهناك, يعني استمرار الهدوء الحذر علي ما هو عليه. فالعلاقات بصورتها الراهنة علي الضفتين, ليست في أفضل أحوالها, خاصة في ملف مياه النيل, الذي مالت فيه جوبا ثم الخرطوم نحو أثيوبيا ورفاقها. وهو ما يتطلب رؤية لتقليل حجم الخسائر المتوقع أن تنجم عن هذا الانحياز, وتجنب تأثيره علي ملفات أخري. والثانية, أن ميل الكفة لصالح أي فريق منافس, معناه انقلاب في الموازين السياسية, بشكل يمكن أن يفضي إلي تحسين العلاقات وتصويب مساراتها الخاطئة, أو سرعة في درجة الصعود للهاوية. بالتالي يجب التعامل مع ما يدور من تطورات في الجنوب والشمال بقدر وافر من الحنكة, خوفا من حدوث تغير في المعادلات. والزاوية الثالثة, أن استمرار الشد والجذب, والصعود والهبوط, بين القوي السياسية المتصارعة, من الممكن أن يتواصل لأجل غير مسمي, ويفرض علينا قسرا التعامل مع هذا الوضع الشائك. وقد علمتنا التجربة أن اللاحسم أصبح سمة في كثير من الصراعات الإقليمية, مما يستوجب التفكير في أنواع مختلفة من السياسات والإجراءات, للحفاظ علي الأمن القومي.
لا أقصد التضخيم مما يجري في البلدين الشقيقين, لكن لأن البيئة التي تدور فيها توترات عنيفة لا تقبل القسمة تبدو غاية في الصعوبة, وتحتاج إلي خطط وترتيبات لمواجهة أسوأ الاحتمالات. والمشكلة أن دولة الجنوب, التي بدت متعاونة مع مصر, لديها خطوط وقنوات تواصل تجذبها بعيدا, والأزمات المتراكمة ربما تضطر هذه الدولة في لحظة معينة إلي الانصياع لتوجهات تعمل ضد المصالح المصرية, وسواء كان انقلابها مزعوما للتخلص من الخصوم بضربة قاضية أو حقيقيا, فهي دخلت حزام الأزمات العميقة من أوسع الأبواب. كما أن النظام السوداني, لا يزال يغلب رؤيته الأيديولوجية, حتي إن تغير موقفه من سد النهضة الإثيوبي أخيرا, قيل إن له علاقة بحساباته السياسية, المتعاطفة مع جماعة الإخوان. وفي ظل هذه التشابكات علينا اتخاذ الاستعدادات الكافية لقطع الطريق علي رياح وعواصف الجنوب