إعداد: عمر عدس وصباح كنعان


لطالما كانت روسيا تحلم منذ أيام القياصرة بأن يكون لها منفذ إلى البحار الدافئة . واليوم، يبدو أن هذا الحلم يمكن أن يتحقق بفضل مشروع ضخم تتزعمه روسيا، وتشارك فيه دول من شرق أوروبا وآسيا الوسطى، ويقضي بشق ممر (بري - مائي - حديدي) يمتد عبر آلاف الكيلومترات من ساحل المحيط القطبي الشمالي إلى الخليج العربي . وحول هذا الموضوع نشر موقع quot;أوراسيا ريفيوquot; مقالاً لجيوفاني دانييلي فالفو، المحلل المستقل المتخصص في الشؤون الأوراسية، الذي كتب يقول:


قرار إنشاء quot;اتحاد أوراسيquot; على قاعدة الاتحاد الجمركي الحالي، الذي دشنته روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان في الأول من يناير/ كانون الثاني ،2010 يمكن أن ينظر إليه يوماً على أنه أحد الأحداث الجيو سياسية الكبرى في القرن الواحد والعشرين .


وفي الواقع، هذه الجمهوريات السوفييتية السابقة الثلاث تمثل نحو عشر احتياطيات العالم المؤكدة من البترول، وثلث احتياطيات العالم المؤكدة من الغاز، وخمس الصادرات العالمية من القمح، في حين أن الانضمام المتوقع لثلاث دول أخرى، هي أرمينيا وقرغيزستان وطاجيكستان، سيحول الاتحاد الجمركي إلى كتلة تجارية أوراسية حقيقية .
ومع هذا، من وجهة نظر محض اقتصادية، لا الاتحاد الجمركي ولا الاتحاد الأوراسي المزمع يشكّل تحدياً حقيقياً للولايات المتحدة والاقتصادات الكبرى الأخرى في العالم . إذ إن روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان تنتج مجتمعة 4% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهذا رقم سيتغير قليلاً فقط حتى في حال انضمام أوكرانيا في النهاية إلى الاتحاد الأوراسي -وهذه مسألة كانت تناقش في كييف . ونتيجة لذلك، فإن العملية التي بدأتها روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان لا يمكن أن تؤدي إلى إنشاء قطب جديد قادر فعلياً على أن ينافس بنجاح في الاقتصاد العالمي، إلا إذا كان التكامل الاقتصادي بين جمهوريات انبثقت عن الاتحاد السوفييتي في إطار تكامل أوراسي أوسع نطاقاً .
وإحدى الوسائل التي يمكن للاتحاد الأوراسي -الذي تزمع الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي إنشاءه في عام 2015- أن يحقق من خلالها أهمية جيو اقتصادية أكبر هي بناء شبكة بنى تحتية تربط بين آسيا الوسطى والحد الخارجي للقارة الآسيوية، أي بين ما يسميه علماء الجغرافيا السياسية العمق القاري والحافة القارية . وبهذا الخصوص، لا شك في أن الإنجاز الأكثر أهمية من الناحية الجيو سياسية سيكون بناء quot;ممر التنمية عبر آسياquot;، وهو مشروع روسي يقضي بشق ممر عملاق يربط ما بين بحر كارا (المحاذي لساحل سيبيريا على المحيط القطبي الشمالي) والخليج (العربي) . وقد عرض هذا المشروع خلال المؤتمر الدولي حول الأفكار المبدعة الذي عقد في طشقند (أوزبكستان) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 .


وممر التنمية عبر آسيا، الذي تصوره دامير ريسكولوف، الأكاديمي في الأكاديمية الدولية للإعلام ومستشار مديرية التحرير في رئاسة بلدية موسكو، هو مشروع لبناء شريان عظيم يتكون من قناة مائية، وطريق سريع (أوتوستراد)، وسكة حديدية، ويمتد من مدينة ساليخارد (الواقعة في شبه جزيرة يامال المحاذية للدائرة القطبية) إلى بحر قزوين، فإلي ميناء بندر عباس الإيراني عند مضيق هرمز . وفي حال إنجازه، سيكون هذا العمل أضخم مشروع إنشائي في تاريخ البشرية، حيث سيمر عبر روسيا، وكازاخستان، وأوزبكستان، وتركمانستان وإيران، ما سيؤدي إلى تحسن هائل في التجارة بين شرق أوروبا وجنوب آسيا .
وحسب ريسكولوف، فإن منطقة الأورال الروسية (المحيطة بجبال الأورال بين شرق أوروبا وسهول غرب سيبيريا) تحوي نحو ثلث جميع الاحتياطيات الممسوحة من الوقود الأحفوري، وعملياً كل احتياطيات الغاز الطبيعي، في روسيا . ولكن شحن الحمولات بين روسيا والبلدان الآسيوية يمر عبر طرق متعرجة، وبالتالي غير رخيصة . ومن هنا الحاجة إلى بناء ممر عملاق يمتد بطول 6600 كلم من بحر كارا البارد إلى بحر العرب الدافئ، ويشمل طريقاً سريعاً يربط بين مدن ساليخارد وكورغان في روسيا، وأركاليك وكيزيلوردا في كازاخستان (مع طريق فرعي يصل إلى أفغانستان عبر كابول ثم إلى باكستان)، ودارشوغوز في تركمانستان (مع طريق فرعي يؤدي إلى مدينة سرخس في شمال شرق إيران فإلى الخليج)، وتركمانباشي في تركمانستان أيضاً . كما يشمل الممر شبكة سكك حديدية تربط بين ساليخارد وداشوغوز، مروراً بمدن كورغان، وأركاليك وكيزيلوردا، مع طريق فرعي إلى سرخس، وطريق فرعي آخر إلى تركمانباشي .


ومجموع الكلفة المقدرة لإنجاز هذا المشروع يمكن أن يصل إلى 100 - 150 مليار دولار، في حين أن تنفيذ المشروع سيستغرق 15 سنة . وعلى الرغم من عدم اهتمام وسائل الإعلام كلياً تقريباً بهذا المشروع عندما طرح أولاً على النقاش، فإن نجاح التكامل الاقتصادي في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي واهتمام روسيا المتعاظم بالشرق الأوسط يمكن أن يجعلا ممر التنمية عبر آسيا يخطف الأضواء ويصبح محور الاهتمام . وعندئذ، ربما تكون هناك فرصة حقيقية لتحقيق طموح حكام روسيا عبر القرون لإيجاد منفذ لبلدهم إلى البحار الدافئة، ولجعل quot;أوراسياquot; مرادفاً لفضاء جيو اقتصادي متكامل يمتد من القطب الشمالي إلى المحيط الهندي .