طلعت رميح

يمكن وصف المرحلة الراهنة من عمر الصراع الجاري في مصر،بمرحلة التطورات والتغييرات الكمية،التي تجرى خلالها أعمال الإعداد والاستعداد من طرفي الصراع لإحداث نقلة نوعية جديدة في التوازنات،وفي ذلك يعتبر الجميع أن يناير المقبل سيكون شهرا حاسما أو بوابة تغيير التوازنات بشكل حاسم أو مؤثر،وبداية لإحداث نقلة نوعية تغير طبيعة واتجاهات الصراع وقدرات الطرفين على استكمال مشوار كل منهما.هكذا ينظر إلى الاستفتاء على وثيقة لجنة الخمسين المعينة ما بعد انقلاب 3 يوليو (الدستور) وفاعليات الحشد الجماهيري المتوقع توسعها في ذكرى ثورة 25 يناير،باعتبارها تطورات ستنقل الصراع من مرحلة توازن القوى، إلى مرحلة قلب التوازنات وفتح الطريق لإحداث التغيير من جهة أو لتواصل وجود السلطة القائمة.

الحالة الراهنة،وصل إليها طرفا الصراع بعد مشوار طويل مدته 6 أشهر.كانت البداية quot;المباشرةquot; مظاهرات 30 يونيو التي شكلت نقلة نوعية في الصراع الذي كان جاريا بطرق مباشرة وغير مباشرة قبلها.تلك المظاهرات شهدت احتشاد قوى متعددة،جمعها العداء للطرف الآخر،أكثر مما جمعها برنامج سياسي أو رؤية موحدة أو حتى متفق عليها،فكما كان الحشد الجماهيري متعددا ومتضادا أيضاً لا يجمعه إلا شعارات العداء للرئيس المنتخب،كان الحال بشأن الاتفاق السياسي.غير أن ما تلاها في بيان 3 يوليو،شكل بداية تغيير المواقف وتمايز الاتجاهات والمصالح في داخل تلك القوى،وهو ما تعزز من بعد مع دوران عجلة إدارة الحكم سواء ممارساته أو القوانين والتشريعات التي أصدرها،حتى وصل الحال حد نزول بعض المشاركين في مظاهرات في الشوارع ضد السلطة التي كانوا هم من فتحوا الطريق لتشكيلها،فردت عليهم بدورها بأدوات الحل الأمني.وصار عدد من هؤلاء القيادات خلف القضبان الآن.حدثت بداية تغيير التوازنات بهذا الانسلاخ وبفعل تغيير بعض القوى موقفها ووصفها ما جرى بالانقلاب العسكري.

وعلى الطرف الآخر المناصر للشرعية والديمقراطية،كانت البداية حين جرت أعمال الحشد والتعبئة في ميداني رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة قبل مظاهرات 30 يونيو لمواجهة تطورات الموقف،وحين صدر بيان 3 يوليو كان أنصار الشرعية في وضع الضاغط جماهيريا.وفي ذلك أصبح تحالف دعم الشرعية في موقع قيادة المواجهة المضادة والساعي إلى توسيع تحالفه السياسي والجماهيري على حساب الطرف الآخر.

وهكذا جرت أحداث القتل أمام الحرس الجمهوري وخلال عمليات فض اعتصامي رابعة والنهضة لتغيير التوازنات بالقوة،فرد تحالف دعم الشرعية باعتماد استراتيجية الانتشار والتوسع وحشد القوى والأنصار الجدد وتوسيع وتعميم حالة الصمود،والاستمرار في عملية تغيير التوازنات الجارية حاليا،التي تنتظر النجاح في حال توسيع التحالف ليضم القوى التي انفصلت عن تحالف 30 يونيو،وتشكيل إطار جامع لكل الحركة المضادة للانقلاب أو للسلطة الجديدة،باعتباره أحد جوانب الاستعداد لتغيير التوازنات.

السلطة القائمة تنظر لإقرار الدستور باعتباره يمثل نوعية لوضعية علاقاتها على الصعيد الخارجي، وبداية دوران عجلة تشكيل المجلس التشريعي وانتخاب الرئيس ndash; بغض النظر عن إنفاذ آليات الديموقرطية - على الصعيد الداخلي، وهو ما تتصوره أساسا يمكنها من تفعيل مواجهة الطرف الآخر في الصراع على نحو أكثر كفاءة.

وذكرى ثورة يناير ينظر لها المعارضون للانقلاب على أنها يوم للحدث الكبير ويوم بداية إطلاق حملة تغيير المعادلات الجماهيرية على الأرض،ويوم التأسيس العملي لتحالف سياسي واسع يعظم فعاليات المواجهة،كما يتصور أنه سيكون بداية زخم يحاكي ما جرى ضد نظام مبارك،أي يوم بداية اجتذاب أعداد واسعة من الجمهور العام.

وفي كل الأحوال فالموقف الراهن تشير ملامحه العامة إلى توسع قدرة معارضي الانقلاب أفقيا، فيما تتقلص قدرات السلطة القائمة وتضعف علاقاتها بالجمهور العام وتضيق مساحة تمثيلها السياسي في المجتمع، ووسط النخب، وإن كانت تغير نمط مؤسسات حكمها ووجودها.