وليد الرجيب

لا يخفى على أحد الأزمة العميقة التي تعاني منها تيارات الإسلام السياسي داخلياً وخارجياً، ولم يعد هناك مجال للاستمرار بخداع الجمهور ظاهرياً بقوة هذه التيارات وسيطرتها على الشارع السياسي أو الايحاء بكثرة أعداد أعضائها في هياكلها التنظيمية، فمقولة أقوى وأكبر التنظيمات السياسية مقولة مضللة داخلياً وخارجياً، بل إن أخطاءها السياسية كشفتها التجارب على أرض الواقع فبدأت تفقد شعبيتها الظاهرية بحيث لا يمكن التنبؤ بمستقبلها في الساحة السياسية، ولم يتبق سوى الصوت العالي والصيت الزائف، واستخدام الدين الحنيف لاسكات أي صوت احتجاجي ضدها.


فالجمهور الكويتي على سبيل المثال جرّب هذه التيارات على أرض الواقع، وقارن بين عدد المعتقلين والذين تم استدعاؤهم للتحقيق في أحداث الحراك من الإسلاميين، وبين عدد المعتقلين والملاحقين من التيارات السياسية والشبابية الأخرى الذين بلغوا المئات، كما لمس الجمهور أيضاً على أرض الواقع قدرة هذه التيارات الإسلامية السياسية على قيادة الجماهير، هذا ناهيك عن المواقف المبدئية في الأحداث والظروف الحاسمة والمفصلية في تاريخها كله.
أما خارجياً سواء في مصر وتونس وتركيا والسودان، فان انكشاف حقيقة هذه التيارات هو أبسط الأمور عند أبسط الناس، لكن الأسوأ هو تشنجها ولجوؤها الى الأعمال الإرهابية سواء كانت دولاً أم جماعات، بدلاً من تعديل قراءتها السياسية بسرعة قبل انهيارها التام وتشوه صورتها أمام الشعوب والجماهير العربية والإسلامية.
ولذا يتهافت الناس على الكتب التي تكشف علاقات تيارات الإسلام السياسي مع الاستخبارات الأوروبية والأميركية والإسرائيلية، وبالوثائق الاستخباراتية التي بدأت تُنشر وتكشف حجم التآمر البريطاني والأميركي مع هذه التيارات، بل تكشف دور هذه الاستخبارات في تأسيس ورعاية هذه الجماعات والتيارات، وهنا لا أتحدث فقط عن جماعة الإخوان المسلمين ولكن عن كل التيارات الأصولية بما فيها السلفية والجهادية والتكفيرية.
فالفراغ الذي ملأته هذه التيارات الإسلامية في أواخر السبعينيات والثمانينيات وشجعته الأنظمة العربية ودعمته بدفع من الغرب لمواجهة التيارات القومية والديموقراطية واليسارية، بدأت تفقده لصالح النهوض اليساري العالمي وأيضاً باعتراف الجهات الاستخبارية الخارجية.


رغم أن الإسلام السياسي ليس كتلة متجانسة سواء في البلد الواحد أو في البلدان المختلفة، وقد تتباين مصالحها وأدوارها وعلاقاتها مع بعضها ومع الأنظمة، فهي في بلد ما لا تريد أن تفقد حظوتها ومكانتها وشراكتها الطبقية وامتيازاتها المالية، وفي بلد آخر هي تقف مع النظام ضد قوى المعارضة بأشكالها المختلفة وهي معارضة في بلد آخر.
وبعد نشر المركز القومي للترجمة التابع للمجلس الأعلى للثقافة في مصر لكتاب laquo;التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليينraquo; الذي كتبه الصحفي البريطاني laquo;مارك كورتيسraquo; والذي تربطه علاقة ما مع الاستخبارات البريطانية، وترجمه كمال السيد، نفدت طبعاته الواحدة تلو الأخرى منذ نشره عام 2012، ويكشف فيه كورتيس وبالوثائق حجم التآمر تاريخياً ومنذ زمن بعيد، وكيفية تأسيس وتدريب جماعات الإسلام السياسي بما فيها القاعدة وحتى الجماعات الشيعية، من خلال سياسة ما سمي laquo;التدرب على الإرهابraquo;.


فمن الهند وباكستان وأفغانستان وليبيا ومصر وتونس وتركيا والبوسنة وجنوب البلقان ودول شرق آسيا ونيجيريا والصومال والعراق وسورية وبعض دول الخليج وغيرها، يكشف هذا الكتاب الضخم الذي يقع في أكثر من 570 صفحة فضائح الإسلام السياسي، وكيفية تأسيسهم على يد الاستخبارات البريطانية وحجم الدعم المالي والعسكري لهم، لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، حيث لا مكان للمبادئ والقيم وانما الأساس والأولوية هي للمصالح.
بل يوضح الكتاب أيضاً كم كانت بريطانيا ماهرة وماكرة في التلاعب بكل الأطراف، وان أكثر من استغلتهم ثم نبذتهم عندما لم يعد لهم جدوى وانتفى الغرض منهم هم المتأسلمون.
ولنا عودة لهذا الكتاب ولتفاصيل أكثر.