علي الخشيبان


النغمة السياسية لوجوب الصلح مع إيران أو حتى أهميته تأتي في سياقات مختلفة من جانب شعوب المنطقة وقياداتها: السياق الايديولوجي والسياق السياسي، ولكن السؤال المهم هنا يقول لماذا يجب الصلح مع إيران...؟ وهل الموقع الجغرافي كافٍ لعقد مثل هذا الصلح..؟، فشعوب المنطقة تتساءل كيف يمكن أن تكون العلاقة مع دولة مثل إيران غير محفوفة بالمخاطر في ظل بقاء الرسالة الإيرانية التي انطلقت منذ عهد الثورة الإيرانية كما هي ولم تتغير.

أسئلة يحق للشعوب أن ترفعها وخاصة أن السياسة في المنطقة العربية تغيرت ملامحها وأصبحت الشعوب جزءاً لا يمكن تجاوزه بل أصبحت الشعوب هي الأداة التي تنفذ بها الدول سياساتها المحلية والدولية وخاصة أن صوت الشعوب أصبح سهل الوصول إلى كل مكان في العالم وأصبحت إدارة أصوات الشعوب عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد عملية صعبة ومعقدة تواجهها الدول كما تحتاج إلى بناءات وقياسات دقيقة للتعامل معها.

الصلح مع إيران لم يعد عملية سياسية منفصلة وخاصة أن إيران لم تحاول الفصل بين موقفها السياسي وموقفها الايديولوجي ولعل الدليل على ذلك أن كل المعطيات سواء السياسية أو العسكرية تعتمد على بعد تاريخي وتراثي كما أن الكثير من التسميات والشعارات أصبحت غارقة بالمفاهيم الايديولوجية للسياسة الإيرانية وحلفائها والتي لم يعد سراً اختيارها المتعمد لعناصر ومسميات مرتبطة بالتراث المؤدلج.

في تاريخ العالم من حولنا هناك أمثلة كثيرة تدل على أن الموقع الجغرافي لا يشترط فرض الصلح دون أن يكون هناك أبعاد أخرى تحمي هذا الصلح فعلى سبيل المثال لا تبعد كوبا عن الولايات الأمريكية المتحدة سوى عشرات الأميال القليلة ومع ذلك لم يكن الموقع الجغرافي شرطاً لتنازل كوبا أو أمريكا عن موقفهما السياسي والاقتصادي والاجتماعي وظلت العلاقات بين الدولتين دون حرب كما ظلت تتحرك تحت بنود متفاوتة ليس من بينها الموقع الجغرافي أو الصلح السياسي الإجباري.

الصلح مع إيران ليس عملاً إجبارياً وخاصة من جانب دول الخليج فالسياسة الإيرانية بهذا الأسلوب الثوري هي الطارئة على المنطقة بينما دول الخليج ذات سياسة ثابتة لفترة زمنية أكبر من السياسة الإيرانية التي تحمل شعار تصدير الثورة قبل أكثر من ثلاثة عقود مع مجيء الخميني الى سدة الحكم وفرض شكل سياسي عنوانه ديمقراطي بينما حقيقته انه نظام ثيوقراطي بحت.

العامل الاقتصادي والسياسي الدولي يرجح الكفة لدول الخليج في رسم السياسة مع إيران ودول المنطقة يمكنها أن تدخل في سباق تسلح مع إيران بشكل كبير إذا ما ذهبت الظروف نحو هذا الاتجاه ولكن أثر ذلك سيكون كبيراً على المنطقة وسوف يخلق سلسلة من السباق العسكري الذي قد يشعل حرباً سياسية تقضي على المنطقة بكاملها.

اليوم المسار الدولي كبير ومتسارع لفتح مسافات سياسية بين إيران ودول المنطقة ولكن الأسئلة المهمة حول أهداف إيران في المنطقة لم تتضح بعد وإذا كان من الممكن أن تكون نظرة المصالح حاضرة في اتفاق سياسي يمكن عقده بين دول الخليج وإيران، فإن نظرية المصالح لا يمكن أن تكون حاضرة في نقاش المسار الطائفي الذي تتبناه إيران تجاه المنطقة وقد أثبتت التجارب القريبة الدور الإيراني عبر أطراف مختلفة زرعت الكثير من المشكلات والأزمات السياسية وتم اعتبار مثل هذه الأعمال شكلاً من أشكال التدخل المباشر في شؤون المنطقة وأقرب مثال على ذلك ما حدث في البحرين.

السياسة الأمريكية هي سبب رئيس في تحريك الاتجاه السياسي في المنطقة نحو الوجهة الخاطئة كما أن مؤثرات الربيع العربي لعبت دوراً بارزاً في جعل إيران وأذرعتها مثل حزب الله وغيره يعتقدون بإمكانية استثمار ظاهرة الربيع العربي بشكل يمكن أن يخدم المصالح الطائفية.

على الجانب الآخر استطاعت روسيا أن تضع في المنطقة حليفاً استراتيجياً ولعل مهارة السياسية الروسية اليوم هي قدرتها على قيادة السياسي الأعمى الأمريكي لخدمة مصالح السياسية الروسية تحت بند منع إيران من امتلاك السلاح النووي، روسيا لم تصرح تصريحاً واحداً بعد الاتفاق الإيراني الغربي يعاكس المسار أو الاتجاه الإيراني ولهذا دلالة سياسية حول العمق الاستراتيجي الذي تقوم به روسيا في المنطقة من أجل تمزيق ما تبقى من السياسية الأمريكية في المنطقة تحت أقدام الثأر التاريخي لروسيا من الولايات المتحدة الأمريكية.

السياسية الأمريكية اليوم تفقد قدرتها في فهم منطقة الشرق الوسط ليس لأنها تدير ظهرها لحلفائها في المنطقة إن استطاعت ولكن السبب الرئيس هو ذلك التناقض الكبير في مساراتها السياسية ولذلك فإن المراهنة على السياسية الأمريكية في المنطقة وخاصة القضية السورية لم تعد مجدية حتى وإن صرخ السفير الأمريكي على قناة العربية قبل أيام بأن الرئيس الأسد فقد شرعيته فهذا النوع من التصريحات يثير الجدل لأنه يتكرر على لسان الساسة الأمريكان عشرات المرات.

إن الصلح مع إيران يجب أن يدخل في مسار البطء والتأني لأن التسارع في عقد اللقاءات والصفقات قبل أن تمضي الشهور الستة القادمة سيكون خطأ استراتيجياً فلا زالت هناك الكثير من الأسرار السياسية في هذا الاتفاق لم يتم الإفصاح عنها بعد كما ان النوايا الغربية والإيرانية الحقيقة لن تكون أكثر وضوحاً قبل مضي الأشهر الستة القادمة.

الحقيقة الثابتة أن إيران التي قضت تلك السنوات من عمرها في بناء سلاحها النووي ومفاعلاتها النووية لن تتنازل عنها لمجرد جلوسها في محادثات مباشرة مع الدول الغربية، إيران لا تفكر بهذه الطريقة فلدى إيران من الأهداف السياسية والأيديولوجية الكثير ولكن هذه الأهداف لن تمر على دول الخليج بنفس الدرجة التي مررت بها إيران اتفاقها مع الغرب حتى وإن اعتقد الرئيس الأمريكي بأن سياسته الدبلوماسية يمكن أن تنتج اتفاقاً تاريخياً لوقف تسلح إيران نووياً.