يوسف الكويليت


تركيا تفضلها أميركا وأوروبا دولة عضواً في حلف الأطلسي، وتبقى على حال الدولة التي لا تتمتع بمزايا مهمة اقتصادية أو سياسية، وقد كان من الخطط الطويلة المدى ما بعد زوال الاتحاد السوفييتي تقسيمها إلى دويلات على مبادئ عرقية وقومية ومذهبية، وكان الجيش ذراع التقلبات السياسية ومجسد الفساد والهيمنة على مقومات تركيا كلها، وبنفس الوقت حامي الوحدة.

(أردوغان) لم يأت من صفوف القوات المسلحة، ولا بيوت المال الكبيرة، بل جاء من خلال انتخابات شعبية قادتها الطبقة الوسطى، ورغم تعثره في أيامه الأولى ومحاربته، إلا أنه انتصر على خصومه بنجاحه كرئيس لبلدية إسطنبول ثم وصوله لرئاسة الوزراء، ليجعل من تركيا دولة مركز مهمة وموقعاً مؤثراً بالعالم الإسلامي، لنجاح تجربة اعتبرت غير مسبوقة، وطالما الصراع الذي لم يختف بين الغرب المسيحي، والعالم الإسلامي، فإن وصول تركيا بأن تكون نموذجاً جعل الغرب بين خيارين، دولة إسلامية معتدلة في محيط جماعات ودول تقود التطرف، قد يمنع تنامي الإرهاب ويطرح مشروع دول أكثر اعتدالاً، بينما الاتجاه الآخر يرى فيها خطراً قد يبعث عالماً إسلامياً متطوراً سيكون صدامه مع الغرب حتمياً، ولذلك لا بد أن تكون تركيا مجرد قاعدة، وليست دولة تمتلك القدرة على تجاوز العصور الماضية لتكون رمزاً إسلامياً.

نجح أردوغان بعمل غير مسبوق حين حول بلده من مديون، إلى فائض نقدي وصناعي يتمتع بقدرات غير عادية واستطاع استيعاب الملايين من مختلف الطبقات في دورة اقتصادية أهلت تركيا أن تكون من بين دول الاقتصاد الناشئة وأن تسجل عضويتها في نادي العشرين كأكبر اقتصاديات العالم.

هل أخطأ رئيس الحكومة التركية خوض معارك مع إسرائيل بشكل مفتوح وهي حليف العسكر منذ أزمنة طويلة، أم أن الأزمة السورية وتداعياتها ووقوفه مع الشعب السوري، كانت الفاتورة الأصعب في دفع الثمن، أم أن تأييده للإخوان المسلمين في جعل تركيا القطب والمركز في إدارة هذا التنظيم وتأييد أردوغان لحكومة مرسي، ثم الخلاف مع حكومة مصر الجديدة سبب آخر؟

كما نعرف فخصوم أردوغان في الداخل لم تعجبهم خطواته فبدأت أزمة حديقة ميدان تقسيم لتقود عدة مظاهرات ثم تلاها، في الأيام الماضية، اعتقال وزراء ونافذين في الدولة بتهم الرشوة وغسيل الأموال، والتلاعب في المال العام، وهم جزء من فريق عمل ومسؤولي الدولة في عهد رئيس الحكومة؟

تضارب الأنباء لم يعط أو يكشف الحقيقة كاملة، وإن برزت مناوشات بين من قاموا بالفعلة وترتيباتها، وبين الحكومة التي عزلت العديد من قوى الأمن والتهديد بطرد عدة سفراء قيل إنهم خلف الأزمة وحبكتها؟

دون شك الأمر لن يكون سهلاً على طرفي النزاع غير أن الأمور تتجه إلى محاولة إضعاف أردوغان، والهدف هنا أنه حاول أن يقفز السلم بالصعود المفاجئ ودون اكتراث لدول أوروبا أو حتى أميركا، وخاصة في قضايا تعتبرها من خصوصياتها، لكن أردوغان أيضاً ربما اختار الزمن واللحظة الخطأ في توسيع دائرة خصومه بما جعله يدخل اختبار كسر الضلوع وهي مسألة قد ينجح باختبارها أو تجعله المتهم البريء حتى تصدر أحكام القضاء ويتضح الخيط الأبيض من الأسود.