تونس - خولة العشي


مشهد مرور امرأة منقبة في شوارع تونس ما زال يثير الهمسات هنا وهناك. البعض يعتبرهنّ laquo;نساء صالحاتraquo; احترمن شرع الله وائتمرن بأوامره، ويرى فيهنّ آخرون ظاهرة laquo;موقتةraquo; جاءت بها نسمات الحريّة التي صاحبت ثورة الرابع عشر من كانون الثاني (يناير) 2011، في حين، يتجنب البعض الاقتراب منهنّ خوفاً ممّا يخفيه laquo;الرداء الأسودraquo; تحته من مفاجآت.

الحديث مع السلفيات كان بحد ذاته مغامرة معقّدة، فالعداء بين التيار السلفي وبين الصحافيين الذين ينعتونهم بـ laquo;إعلام العارraquo; و laquo;أعداء شرع اللهraquo; في تونس وصل إلى حد التهديد بذبحهم في الساحات العامّة.

laquo;الحياةraquo; دخلت laquo;بحذرraquo; إلى منازل سلفيات في تونس، لرصد بعض أوجه حياتهن اليومية واستمعت إلى شهاداتهنّ حول وضع المرأة السلفية في تونس اجتماعياً وقانونياً. هنّ وفق غالبيتهنّ laquo;مكرّمات عند الله، مظلومات من المجتمعraquo;.

على بعد كيلومترات من العاصمة تونس، في حي التحرير الذي يعرف بكثافة وجود المنتمين ال التيار السلفي فيه، تعيش laquo;فتحيةraquo; مع زوجها وأبنائها الثّلاثة. من الصالون المتواضع انبعثت رائحة المسك والبخور، الآيات القرآنية تزين الجدران، وسجادة الصلاة المزركشة كانت ملقاة على حافة الأريكة. سارع زوج فتحية الى الخروج حال دخول laquo;الصحافية السافرةraquo; إلى الغرفة، في حين كانت زوجته ترش laquo;ماء الزهرraquo; على القهوة لحديث طويل.

حين أزاحت فتحية النقاب، بدا وجهها شاحباً ولاح الحزن في عينيها، لم تنتظر سؤالاً وانبرت تروي حكايتها: laquo;الحمد لله الذي قدر لي أن أرى زوجي بعد سجن دام تسع سنوات، لقد نسي أبنائي وجه والدهم، كنت أرفض اصطحابهم إلى السجنraquo;.

تستعيد فتحية شريط ذكرياتها منذ أن قبض رجال الأمن في عهد زين العابدين بن علي على زوجها بتهمة الانتماء إلى مجموعة إرهابية، وتشكو ضيق الحال من دون أن تتمكن من توكيل محام للدفاع عن زوجها، إذ حكم عليه بإثنتي عشرة سنة سجناً قضى منها تسعاً ليطلق سراحه إثر الثورة.

تقول فتحية: laquo;زوجي لم يخطط لتفجير أحد ولم يؤذ أحداً، ذنبه الوحيد هو التزامه في القيام بواجباته الدينيةraquo;. وتستدرك: laquo;حين غاب زوجي أصيب ابني الصغير بوعكة صحية وارتفعت حرارته، قلة ذات اليد وتخوف الجيران من مساعدتي خشية ملاحقتهم من الأمنــيين الذين كانوا يرابطون أمام منزلي تسببا في ارتفاع حرارة الدماغ لدى ابني وإصابته باختلاج وهو الآن يعاني إعاقة دائمةraquo;.

وتضيف فتحية: laquo;لم أندم يوماً على تمسكي بديني، إثر هروب بن علي سارعت الى ارتداء النقاب، وكم سعدت حينها، لقد شعرت بأنني مسلمة كاملة وعاد زوجي ليؤنس وحدتي، لقد راح ابني ضحية التزامنا الديني أنا وزوجي، ولكنّ هذا الأمر هو ابتلاء من الله سنصبر عليه وأجرنا على ذلك عند الله عظيمraquo;.

مجلة الاحوال الشخصية بدعة وحرام

لئن تميزت فتحية بفهم بسيط لمبادئ الإسلام وقواعده وإيمان نابع من حبها وطاعتها لزوجها، فإنّ laquo;أم آمنةraquo; التي تقطن في منطقة أريانة في تونس العاصمة أظهرت إدراكاً أكبر لاختيارها الانتماء الى التيار السلفي وارتداء النقاب.

تقضي laquo;أم آمنةraquo; يومها كبقية الشابات المتزوجات. لها من العمر 29 سنة، انقطعت عن الدراسة بسبب منع رجال الأمن في عهد بن علي لها من دخول الجامعة. تدرس laquo;أم آمنةraquo; العلوم الشرعية في جامع الزيتونة للتعليم الأصلي الأكاديمي وتنشط على صفحتها على الموقع الاجتماعي laquo;فايسبوكraquo; laquo;جمعية التونسيات السلفياتraquo;.

تقول laquo;أم آمنةraquo;: laquo;أخصص الوقت الكافي للاعتناء بعائلتي ووقتاً معيناً لقراءة القرآن ومتابعة البرامج الدينية. أرتدي النقاب منذ هروب الرئيس السابق بن علي، وهذا اللباس الشرعي لا يقيد حريتي، بل أمارس حياتي في شكل طبيعي، فأنا أخرج للتسوق وأتنزه مع عائلتي وأزور أقاربي ولا أشعر أن لباسي لافت للانتباهraquo;، ثم تستردك: laquo;نقابي يلفت انتباه العقول التي تدّعي الدفاع عن الحريات الشخصية ولكنها تحتكرها لنفسهاraquo;. ولا ترى laquo;أم آمنةraquo; مانعاً في ارتداء البنات الصغيرات النقاب: laquo;فعلى الفتاة، وفق قولها، أن تتعود على ارتداء اللباس الساتر لئلا تتعود على الملابس الخليعة، والأم هنا قدوة لابنتهاraquo;.

وترى laquo;أم آمنةraquo; في مجلة الأحوال الشخصية أداة laquo;تؤسس لعبودية المرأة التونسية، هذه المرأة التي تعاني من الظلم، عليها معرفة حقوقها ومكتســباتها التي حفظها لها الإسلام لا التي وضعها لها البشر. فالقوانين الربانية مقدسة وثابتة في حين أن القوانين البشرية متغيرةraquo;.

ترى laquo;أم آمنةraquo; في القوانين التي تكفل حق المرأة في كل الحالات تشجيعاً لها على ارتكاب المعاصي. فالقانون الذي يحمي الأم العزباء هو وفق تعبيرها laquo;تشجيع من الدولة للتونسيات على الزناraquo;، كما تعتبر إنشاء الدولة لمراكز رعاية الطفولة وتوزيع حبوب منع الحمل مجاناً في المعاهد ومجانية الإجهاض في المراكز الصحية laquo;إجراءات الهدف منها هو استغلال المرأة التونسية جسدياً وإنهاكها معنوياً كثمن لحرية مزيفةraquo;.

وتنهي laquo;أم آمنةraquo; حديثها بالقول: laquo;المرأة السلفية المنقبة مميزة بتكريم الله لها، في حين يظلمها المجتمع بنظرته المستهترة، أما المرأة السافرة فهي تعاني غضب الله واحتقار المجتمعraquo;.

وجدت منظمات المجتمع المدني في تونس صعوبة في التعامل مع ملف الانتهاكات التي تطاول السلفيين في تونس والذين يقدر عددهم بـ 20 ألفاً وفق آخر إحصاء لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

وتجنبت غالبية الجمعيات الخوض في هذه المسألة، إلا أن منظمة laquo;حرية وإنصافraquo; ذات التوجه الإسلامي أخذت على عاتقها مهمّة الدفاع عن هذه الفئة متحدّية بذلك التضييقات الأمنية التي طاولت المشرفين عليها.

وأكّدت جميلة عياد عضو المكتب التنفيذي لمنظمة laquo;حرية وإنصافraquo; المكلفة ملف laquo;المرأةraquo; أن المضايقات التي طاولت سلفيات يرتدين laquo;اللباس الشرعيraquo; لا تعد ولا تحصى ووصفتها بالوحشّية.

فقد تضمن التقرير الذي تقوم المنظمة بإعداده حول هذا الموضوع حالات اعتداء بالعنف الشديد على زوجات سلفيين متهمين بالانتماء الى مجموعات إرهابية أثناء مداهمات منازلهن نتج من بعضها laquo;إجهاضraquo; بعضهن وإصابة أخريات إصابات بليغة.

أما في خصوص المضايقات، فذكر التقرير تعرض إحدى السلفيات في مدينة laquo;قصر هلالraquo; الساحلية للضرب والسحل وانتزاع ملابسها بالقوة من طرف أحد جيرانها بدعوى انتمائها الى حزب laquo;حركة النهضةraquo;.

كما تعرضت إحدى السلفيات في جهة المرسى للاعتداء الجسدي واللفظي ونعتها بـ laquo;مجاهدة النكاحraquo; للأسباب نفسها، الأمر الذي اعتبره التقرير laquo;تمييزاً عنصرياً بسبب المظهرraquo;. كما تحدث التقرير عن تعرض طفل من ولاية نابل للخطف والضرب من طرف ملثمين هددوه باغتصاب أخته إن لم تنزع laquo;النقابraquo;.

وأكدت السيدة laquo;عيادraquo; أن قسوة التونسيين في الحكم على laquo;السلفياتraquo; وصلت إلى حدّ إهمال حقّهن في العلاج. فالشابة laquo;نجلاءraquo; أصيلة بن عروس عرفت معاملة مهينة جدّاً في أحد المستشفيات الحكومية في العاصمة، حيث جاءت لإجراء عملية في الرحم، ففوجئت باتهامها بممارسة laquo;جهاد النكاحraquo; من طرف الإطار الطبي، الأمر الذي أجبرها على استخراج شهادة تثبت عذريتها من طبيب خاص.

تهديد للأمن

نظراً الى الوضع الأمني غير المستقر الذي تعاني منه تونس بعد الثورة، أعلنت شريحة هامة من المجتمع التونسي مدعومة بأطراف من المجتمع المدني وأحزاب سياسية الحرب على النقاب في المؤسسات التعليمية والأماكن العامة. وبرر البعض رفضهم لارتداء النقاب في هذه الأماكن بجهلهم هوية مرتديه الحقيقية واحتمال قيام الشخص المتخفي تحته بعمليات إرهابية في الأماكن العامة.

وفي هذا الإطار، أوضح مسؤول أمني لـ laquo;الحياةraquo; أن وزارة الداخلية التونســـــية لا تتــدخل بالمظهر الشخصي للمواطنين، لكنّها تعـــمل على حمـــاية البلاد من كل خطر إرهـــابي وهي مــــضطرة بالتالي إلى كشف النقاب عن بعض التونسيات ضماناً لسلامة الآخرين، مؤكداً أن شرطيات إناثاً مكلفات القيام بهذه العملية.

وكانت السلطات الأمنية قد قبضت منذ ما يقارب الشهرين على إحدى الناشطات السلفيات الفرنسيات التي اعتنقت الإسلام أخيراً وانتقلت للعيش في مدينة القيروان، وتدعى laquo;ف.سraquo; تم إيقافها بتهمة الانتماء الى مجموعة إرهابية بعد أن تم احتجاز حقيبتها التي تحوي مواد رأى رجال الأمن أنها مريبة ومن بينها حبل، وخراطيش صيد، وحاملة مسدس وبعض الأغراض الأخرى.

أما في خصوص المؤسسات التعليمية والجامعية، فقد كان المجلس العلمي للجامعات التونسية قد أعلن منذ سنة رفضه المطلق لإصدار قانون يتعلق بـ laquo;ارتداء النقاب داخل المؤسسات الجامعيةraquo;، مشدداً على أن laquo;ارتداء النقاب ظاهرة لا تليق بصورة تونس وجامعتها. وجاء هذا القرار إثر أعمال العنف والشغب التي عرفتها جامعة منوبة خلال السنة الفائتة إثر منع أساتذة جامعيين لمنقبات من دخول الحرم الجامعي.

الشريعة الإسلامية وفق منهج السلفيين كل لا يتجزّأ، ولكنه عند السلفيات في تونس كل لا بد من أن يُقتطع منه جزء صغير، هو الذي يقضي بتعدد الزوجات.

تواجه السلفيات السؤال عن حق الرجل في الزواج بأربع نساء بضحكة ماكرة، وتشرعن في البداية بالقول إن للرجل الحق في الزواج بأخرى laquo;إذا أصيبت زوجته بمرض أو كانت عاقراً لا تنجبraquo;، وشرط أن يعدل ولكنّهن سرعان ما يتداركن الأمر ويعبّرن عن امتعاضهنّ من فكرة مشاركة أزواجهن مع أخريات.

تقول سنيا، ثلاثينية منقّبة: laquo;لا أقبل أن تشاركني امرأة أخرى زوجي، أفضّل الطلاق على أن تكون لي ضرّةraquo;، ولكنّك بهذا الأمر تعارضين ما جاء في الشريعة الإسلاميّة؟ تصمت.