علي إبراهيم

السؤال الذي يجب أن يطرح مع إغلاق دفاتر العام الحالي، واقتراب دخول الحرب السورية عامها الرابع في مارس (آذار) المقبل مع كم خسائر هائل، هو هل يتحمل الشعب السوري والمنطقة كلها عاما آخر من الخراب والدمار، فضلا عن الفظائع التي يزداد التفنن فيها يوما بعد يوم وجعلت أزمات سابقة، شهدتها المنطقة وبينها حتى حروب أهلية أو صراعات داخلية، تتضاءل مقارنة بما جرى خلال أكثر من عامين ونصف على الأراضي السورية.

واقع الأمر يقول إننا قد نجد أنفسنا أمام نفس السؤال في نهاية 2014 ما لم تكن هناك جدية حقيقية من جميع الأطراف المؤثرة في هذه الأزمة التي أخذت أبعادا لم يكن أحد يتوقعها عندما بدأت بانتفاضة سلمية لمطالب حقوقية واجتماعية ومعيشية لتتحول تحت بصر العالم كله إلى حرب ضروس لصالح النظام وأصبحت أزمة إقليمية ودولية تلعب فيها المصالح الدور الأكبر ويدفع المواطن السوري العادي ثمنها.

لم يكن أحد في الشهور أو حتى في السنة الأولى للأزمة يتصور أن تأخذ كل هذا الوقت أو أن يستطيع النظام أن يوظفها طائفيا بهذا الشكل، وكانت كل المراهنات على سقوط سريع للنظام، والآن أصبح كثيرون يسلمون بأن هذه الحرب يمكن أن تستمر سنوات في ضوء عدم قدرة طرفيها على الحسم، ما لم يكن هناك تدخل دولي يساعد على فرض إرادة جديدة على الأرض ويمهد لعملية انتقالية تخرج البلاد من ورطتها.

فهناك مسؤولية ليست أخلاقية فقط، ولكنها سياسية واستراتيجية على المجتمع الدولي في وضع حد لهذه الأزمة التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم وتهدد الأمن الإقليمي، وحتى السلم الدولي بما تفرزه من مشكلات نراها في التقارير التي تتحدث عن تدفق المقاتلين أصحاب الفكر المتطرف من المنطقة ومن دول غربية، الذين يجدون في مثل هذه الأزمات فرصة لإيجاد موطئ قدم لهم ونشر أفكارهم وبدلا من أن يساعدوا على الحل يصبون الزيت على النار.

المسؤولية مرجعها أيضا أن التهاون من قبل المجتمع الدولي هو الذي أفرز هذه التعقيدات في الأزمة السورية، المتمثلة خصوصا في ازدياد شراسة النظام في قصف المدن الخارجة عن سيطرته، وتغلغل التنظيمات المتطرفة بمقاتليها القادمين عبر الحدود وهو ما كانت أطراف عربية تحذر منه منذ بداية الأزمة، وكانت رسالتها صريحة بأن تركها هكذا دون جهود حقيقية لإنهائها سيورط المنطقة كلها في وضع صعب أصبح على الجميع التعامل معه الآن.

ولا يوجد أحد يحبذ أو يرى أن التدخل الخارجي في أزمة داخل بلد معين هو الحل الأمثل، فدائما يكون الأفضل أن تجد الأطراف الداخلية صيغة نابعة من واقعها تحل بها أزماتها، ولكن بين التمني والواقع مسافة كبيرة، فإذا كبر حجم الأزمة، ولم تعد الأطراف المتقاتلة ترى حلا أبعد من القضاء تماما على خصومها يكون هناك حاجة لمساعدة من الخارج في فرض حلول وتقديم ضمانات، تمنع عمليات الانتقام، وتراقب تدفق السلاح وتعطي أملا بأنه ستكون هناك مساعدات لإعادة الإعمار.

وفي الأزمة السورية التي أمامها أول فرصة حقيقية لرؤية ضوء في نهاية النفق في مؤتمر laquo;جنيف 2raquo; المقبل في يناير (كانون الثاني) يتعين على المجتمع الدولي ألا يترك الفرصة تضيع، ولا يمكن التعلل بأن الأطراف الداخلية سواء في المعارضة أو النظام هي المسؤولة، لأن اللاعبين الخارجيين لديهم أوراق ضغط حقيقية على الجانبين، ويمكنها إجبارهم على التعايش مع حل سياسي يؤمن دخول مرحلة انتقالية سياسية حقيقية.