سركيس نعوم

العدائية والجزم، اللذان طبعا السياسة السعودية السلبية، من السياسة التي تنتهجها الادارة الأميركية حيال الأزمة ndash; الحرب الأهلية والمذهبية في سوريا، يزعجان كثيراً عدداً من المتابعين من واشنطن ومن زمان للعلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وخصوصاً بعد البرودة التي أصابتها أخيراً، والتي يمكن أن تتردى، إذا لم تتدارك السعودية الأمر. فالمسؤولون السعوديون يتجاهلون، في نظر هؤلاء، حقيقة ثابتة وساطعة، هي أن الدولة الوحيدة التي ستحمي بلادهم عندما تتعرض للأخطار هي أميركا. ويتجاهلون أيضاً، أن وصولهم، وجراء تلاقي المصالح فقط مع اسرائيل نتنياهو، إلى استراتيجيا مشتركة ليس في مصلحة المملكة على الاطلاق. وإذا ارتكبوا خطأ السماح للطيران الحربي الإسرائيلي بعبور أجواء بلادهم ،في أثناء تنفيذه ضربة عسكرية قررتها حكومته لإيران، فإن المسؤولين فيها سيعرفون ذلك، وقد يردّون باستهداف المنطقة الشرقية السعودية. وطبعاً، لن يشعر الأميركيون بالفرح حيال هذا الأمر. إلى ذلك يرى المسؤولون الاميركيون، استناداً إلى المتابعين أنفسهم، أن العمل المشترك بين إسرائيل وحلفائهم في المنطقة، وإن كان غير مباشر، من أجل إحباط السياسة العامة الشرق الأوسطية التي ينتهجها الرئيس باراك أوباما، والتي يفترض أن توصل بلاده وايران الإسلامية إلى اتفاق، لا بد أن يغضب كثيراً إدارته. ذلك أن المسؤولين الكبار فيها، سيعتبرونها صفعة قوية له ولها. ويرون أيضاً ان الجهود المشتركة السعودية ndash; الاسرائيلية، وإن غير المباشرة، لمواجهة السياسة الأميركية في سوريا ستعني أمراً واحداً، هو غياب أي دعم فعلي، من الرياض وتل ابيب لعملية السلام بين حكومة بنيامين نتنياهو وسلطة محمود عباس. كما ستعني أمراً آخرا، هو سحب الدعم لمبادرة إحياء هذه العملية، التي أطلقها أوباما قبل أشهر، والتي كلف وزير خارجيته جون كيري متابعتها من قرب وبانتظام. وستعني أخيراً، فشل المبادرة. ومن شأن ذلك اغضاب الرئيس الاميركي والفريق المعاون له، وفي الوقت نفسه، توسيع التصدُّع في العلاقات بين أميركا والسعودية. وذلك ليس في مصلحة الأخيرة على الإطلاق.


هل ردت أميركا على العدائية والجزم السعوديين، المشار اليهما أعلاه، حيال سياستها السورية؟


يجيب المتابعون الأميركيون أنفسهم، أن وقف واشنطن تزويد quot;الجيش السوري الحرquot; المتمركز بالقرب من الحدود التركية quot;الاعتدةquot; وان quot;غير قاتلةquot;، يجب أن يعتبر ردّاً، أو بداية ردّ على المملكة. ذلك أن المسؤولين في واشنطن لا يقبضون جدياً، خبرية أن quot;قيادةquot; الجيش الحر، هي التي طلبت من quot;الجبهةquot; احتلال مخازن أسلحتها وذخيرتها ومصادرتها. وهم يعرفون، أو بالأحرى يعتقدون، ان quot;الجبهةquot; تحظى بدعم السعودية ودول خليجية أخرى، وأن الأولى قد تكون ضغطت على quot;الجيش الحرquot;، أو الثوار النظاميين كما تسميهم، للاشتراك في مسرحية سيطرة المتشددين التكفيريين، الذين يظن البعض أن العراق ونظام الأسد نظَّماهم أو شجعاهم. أما هذا التذرع، فإنه أيضاً غير مقبوض جدياً من واشنطن. لذلك كله، اتخذت إدارة أوباما قرار quot;وقف الدعمquot;. ويظن المتابعون انفسهم، أن المملكة فهمت الرسالة، ويرجحون أن يُستأنف الدعم الأميركي لـquot;الجيش الحرquot;، علماً أنه لم يتوقف كله أساساً. ذلك أن تزويد أميركا، مقاتلي هذا الجيش السلاح والأعتدة العسكرية غير القاتلة، لم يتوقف في المناطق السورية المحاذية للاردن. والسبب الرئيسي لذلك، هو أن السلطات الاردنية تسيطر عليه، لا السلطات السعودية. في النهاية، يتمنى المتابعون الاميركيون، أن يتحلى المسؤولون السعوديون بالحكمة في معالجة اختلافاتهم مع الادارة الاميركية، لأن العناد والزعل والحرد ورد الفعل غير المدروس، لأن ذلك كله ليس سياسة. وهم يخشون أن يكون المتشدِّدون الإسلاميون اللبنانيون، وغير اللبنانيين الذين دخلوا لبنان، وهم يتمتعون بدعم سعودي ما، يسعون إلى إشعال الجبهة اللبنانية ndash; الإسرائيلية، لإعادة quot;حزب اللهquot; إلى بلاده وانهاكه. ويتمنون أن يبقى المسؤولون في المملكة على حكمتهم السابقة، ذلك ان توسيع دائرة التفجير في المنطقة، لن يفيد شعوبها وأنظمتها ودولها. فضلاً عن أن اسرائيل لا تمتلك، أو لم تعد تمتلك، حرية التصرف، وربما القرار في الدائرة الإقليمية الواسعة. إلاّ أن هذا التمني لا يبدو واقعياً في رأي ديبلوماسيين غربيين مطلعين. ذلك أنهم علِموا من قيادات سورية معارضة أن المملكة قررت أن تعمل مستقلة.