خليل علي حيدر

نشرت نتائج أبحاث تقول إن آسيا لا أفريقيا هي موطن الثدييات أو اللبائن التي تضم الإنسان والقرد

هيكل عظمي لإنسان عاش قبل 4.4 ملايين سنة يظهر ان البشر لم يتطوروا عن أسلاف يشبهون قرد الشمبانزي

في نهاية عام 2009، سنة الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لميلاد عالم الطبيعة البريطاني الشهير laquo;تشارلز داروينraquo;، صاحب النظرية المعروفة في مجال تطور الانسان، والذكرى الخمسين بعد المئة لصدور كتابه laquo;أصل الأنواعraquo;، الذي ظهر في لندن في نوفمبر 1859، أجريت دراسات في تسع مدارس حكومية مصرية، تُدرس بها نظرية التطور للأعمار من 12 الى 13 سنة، أظهرت، كما جاء في الصحف، laquo;أن لا أحد من أصل 30 مدرس علوم من الذين شاركوا في الاستقصاء، يؤمن بالنظرية التي يقوم بتدريسهاraquo;.


ويضيف الكاتب الكويتي أحمد الصراف في مقاله، القبس 2009/12/17، ان دراسات أخرى بينت في جامعة خاصة في دولة الامارات laquo;أن %15 من الهيئة التدريسية فقط تؤمن بأن هناك ما يكفي -من الأدلة- لتأكيد نظرية التطورraquo;. وقال الكاتب ان سبب ذلك في جانب رئيسي منه يعود الى laquo;قوة الايمان الديني. ولكن لا ينبغي ان نغفل كذلك، كما أشار عن تدهور المستوى العلمي للطلاب في العالم العربي.
فقد بينت دراسة أخرى laquo;ان طلبة جميع الدول العربية الاثنتي عشرة الذين اجريت عليهم الدراسة، سجلوا درجات اقل من المعدل. كما تبين أن اقل من %1 من الطلبة العرب من سن 12 الى 13، استطاعوا الوصول الى معدلات متقدمة في العلوم، مقارنة بـ %32 في سنغافورة و%10 في أمريكا، وربما كانت الاردن المثال الشاذ الوحيد، حيث حقق %5 من طلبتها معدلات عالية في العلوم والظاهرة الأكثر خطورة تكمن في عدم وجود اي جامعة عربية ضمن الخمسمائة الافضل في العالم، في الوقت الذي تضمنت القائمة 3 جامعات من جنوب أفريقيا، وست جامعات من اسرائيلraquo;.
والواقع ان عام 2009 ذا الأهمية الخاصة في الاحتفاء بنظرية التطور، شهد كذلك حدثاً علمياً ذا تأثير بالغ على النظرية نفسها، عندما أعلن العلماء في الولايات المتحدة laquo;أن هيكلاً عظمياً لانسان عاش قبل 4.4 ملايين سنة يُظهر ان البشر لم يتطوروا عن أسلاف يشبهون قرد الشمبانزي. وقال الباحثون ان الحلقة المفقودة، أي الجد المشترك بين الانسان والقردة الحديثة كان مختلفاً عن الاثنين، وتطورت القردة تماماً بقدر ما تطور الانسان عن هذا الجد المشتركraquo;. (النهار الكويتية، 2009/10/3) وأكد العلماء، كما أضافت الصحيفة، ان laquo;آرديraquo; ربما تكون الآن أقدم أسلاف الانسان المعروفين، laquo;لكنها ليست الحلقة المفقودةraquo;.وقال العلماء ان الهيكل يمثل أنثى laquo;أرديبيتيكوس راميدوسraquo;. laquo;Ardipithecus Ramidusraquo;، وعاش هذا النوع قبل 4.4 ملايين سنة في اثيوبيا.وهذا الهيكل الذي يبلغ طوله 120 سم، أقدم بمليون سنة من laquo;لوسيraquo;، وهي هيكل اسمه العلمي laquo;استرالو بيتيكوس افارينسيسraquo;، laquo;Australopithecus Afarensisraquo;، الذي يعد من أهم الأصول البشرية المعروفة، ورجحت الأبحاث ان يكون الانسان والشمبانزي قد افترقا قبل ستة أو سبعة ملايين سنة.وكتب الباحثون في تقريرهم بمجلة laquo;ساينسraquo; ان الواضح تماماً ان laquo;آرديraquo; واحدة من أسلاف البشر، وأن السلالات المنحدرة منها لم تصبح قردة شمبانزي أو أي نوع من القردة المعروفة حالياً.
وأضافت وسائل الإعلام أن رأس laquo;آرديraquo; يشبه رأس القرد، ولها اصابع قدم متقابلة تسمح لها بتسلق الاشجار بسهولة، لكن يديها ومعصميها وتجويف الحوض لديها تظهر أنها كانت تسير منتصبة كالبشر لا منحنية على مفاصل الاصابع كالشمبانزي والغوريلا، وربما كانت أكثر مسالمة من الشمبانزي الحالي. فعلى سبيل المثال ليست لدى آردي الانياب الحادة التي يستخدمها الشمبانزي في العراك. وقد عاشت آردي في الاشجار، الا انها كانت قادرة على السير منتصبة، وان كانت مشيتها مترنحة، ولربما تولت الذكور رعاية صغارها بطريقة ما، ممهدة الطريق أمام التأقلم الاجتماعي والسلوكي الذي ظهر لاحقاً، ولا تشبه laquo;آرديraquo; البشر من قريب أو بعيد. فقد كان رأسها صغيراً مقارنة بحجم جسمها، وما من سبيل الى قراءة أفكارها وقياس ادراكها لنفسها ووعيها لمكانتها في الكون.


وتقول صحيفة laquo;الجريدةraquo;، 2009/10/8، ان الفريق الذي كان يشرف عليه العالم laquo;تيم وايتraquo;، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، عثر في نوفمبر 1994 على أجزاء من عظام اصبعين، laquo;وكشفت عمليات النبش الاضافية عن بقايا حوض وقدمين ويدين وبعض أجزاء من جمجمة. وبحلول يناير 1995، أدرك العلماء أنهم وقعوا على كنز في علم أصول الجنس البشري حطمه الزمن وهشّمه، وهكذا ظهرت laquo;آرديraquo;.وحصل العلماء -في الموقع نفسه- على مجموعات كبيرة من العينات من من الذكور والاناث، على الرغم من ان العظام كانت بمعظمها متفرقة ومعزولة.وتعطي laquo;آرديraquo; معلومات تفوق ما قدمته laquo;لوسيraquo; بأشواط.ففي هذا النموذج، نملك اليدين والقدمين وبيئة أكثر تكاملاً وهيكلاً عظمياً شبه مكتمل.كذلك تعتبر laquo;آرديraquo; أقدم، وصِلَتها بالرئيسيات -القردة العليا- أوضح.انها تظهر عملية التحول من سلف عادي الى فصيلة القردة العليا.ويؤكد العلماء ألا مجال للشك في ان أصل الجنس البشري تطور من الرئيسيات الباكرةraquo;.


عم الترحيب في بعض الصحف العربية بتقديم أنثى ما قبل التاريخ laquo;آرديraquo;! وقالت احداها laquo;ان اكتشاف آردي يعتبر رفضاً لنظرية النشوء والتطور لشارلز داروينraquo;. كما لاحظ المراقبون laquo;أن نشر الخبر على موقع قناة الجزيرة الالكتروني حظي بتعليقات عدة اجمعت غالبيتها على الترحيب به، من منطلق انه انتصر للنظرية الدينية، ووجه ضربة قاصمة للنظرية المادية الغربيةraquo;، كما جاء في مجلة laquo;العلمraquo; الأمريكية. وقالت صحيفة النهار الكويتية laquo;العلم ينسف نظرية داروين: فأصل الانسان انسان

raquo;. (2011/10/3)وجاء في صحيفة laquo;الوطنraquo;: laquo;إن من شأن الهيكل ان يتحدى النظريات السائدة حول عودة أصل الانسان الى الشمبانزي، أقرب المخلوقات الينا من حيث التكوين الجينيraquo;. (2009/10/5).
وبعد أقل من عام، نشرت الصحف أنباء عن اكتشافات جديدة في مجال التطور البشري.فقد أكد علماء أنهم عثروا على ما يعتقدون أنه آثار لمرحلة غير معروفة حتى الآن من مراحل التطور.وأشاروا الى أنهم توصلوا الى هذا الاكتشاف من خلال تحليل الشفرة الوراثية لعظم اصبع عثروا عليه في حفريات بسيبيريا.وجاء في مقال علمي في الصحافة الكويتية بقلم د.جمال حسين، ان علماء معهد laquo;ماكس بلانكraquo; في لايبزك الألمانية لدراسات نشوء الانسان وتطوره، ان الاصبع الذي عثروا عليه لانسان، عاش من قبل نحو 30 ألف عام.وأنه ليس خاصاً بشخص من الجنس البشري الحديث، laquo;هومو سابينسraquo;، وهو الشكل البشري الوحيد السائد على الأرض حالياً، وليس خاصاً بانسان laquo;نيندرتالraquo; الذي انقرض قبل نحو 35 ألف عام.ويذهب الباحثون الألمان الى حدوث موجة أخرى من هجرة أشكال البشر البائدة من أفريقيا التي يعتقدونها الوطن الأول لجميع الأنواع البشرية.وكان العلماء يعتقدون حتى الآن، ان البشر الحاليين وانسان نيندرتال والانسان بقامته المنتصبة، هم فقط الذين نجحوا في قطع هذه المسافة الطويلة الى سيبيريا خلال موجات الهجرة.
ويبدو ان الكائن الذي اكتشف حديثاً لا ينحدر من المجموعة الأولى لأجداد الانسان من سلالة laquo;هومواركتوسraquo;، أي الانسان بقامته المنتصب، التي غادرت أفريقيا قبل 1.9 مليون سنة -نحو مليوني عام- أي 900 ألف سنة قبل الظهور المفترض للسلف المشترك للانسان المعاصر.وذكر الباحثون بأن البيانات الأثرية والجينية تشير الى تكرر الهجرة خارج أفريقيا مرتين على الأقل بعد الهجرة الأولى، وذلك في حقبة أسلاف النيندرتال منذ 300 ألف الى نصف مليون سنة، والثانية منذ خمسين ألف سنة في حقبة الانسان الحديث الذي ينتمي الى فصيلتنا الآن.وحتى وقت ليست ببعيد، كان يعتقد ان كائنات الجنس البشري الوحيدة التي تواجدت على الأرض منذ أربعين ألف عام، كانت من سلالة النيندرتال والانسان المفكر. (القبس 2010/4/1).
وتحدثت الصحف الألمانية عن ان فريق لا يبزغ قد نجح في فك نحو %65 من جينوم النيندرتال، عبر أخذه أجزاء صغيرة من الحمض النووي ومضاعفتها ملايين المرات.ويقول أحد العلماء ان تقنيات فك الشفرات المستخدمة لتحليل جينوم النيندرتال تمثل قفزة نوعية عن تلك التي كانت تستخدم منذ عقد من الزمن لفهم جينوم الانسان الأول.فقد استغرقت عملية فك الشفرة الجينية البشرية في العام 2001 عشر سنوات، وتطلّب مئات الملايين من الدولارات.وفي العام 2005 تم تنفيذ المهمة بسرعة أكبر بألف مرة وبالسعر نفسه.من جهة أخرى، تظهر المقارنات بين جينوم النيندرتال والموروثات البشرية، الكثير من أوجه الشبه، والقليل من الفوارق.ويعقب laquo;أدريان بريغرraquo;، أحد الباحثين في معهد ماكس بلانك ان laquo;الانسان النيندرتال متشابهان بنسبة %99.5 لكن ثمة فوارق ملحوظة في 212 منطقة على طول سلسلة الحمض النووي.وقد تستخدم المقارنات بين الجينومين كدليل على تطور الانسان منذ انفصل النوعان منذ 300 ألف عامraquo;. (الجريدة، 2010/5/12).
وفي مجال مقارنة تلك المعلومات، بما يتعلق بالانسان المعاصر، قارن العلماء laquo;جينومraquo; النيندرتال بعينات من أناس عصريين يعيشون في جنوب أفريقيا وغربها وفرنسا والصين وبابوا غينيا الجديدة.الا ان أوجه الشبه التي عثروا عليها بين النيندرتال وموروثات غير الأفارقة فاقت تلك التي جمعت النيندرتال بالأفارقة العصريين، اذ يشبه النيندرتال الأوروبيين أكثر من الأفارقة، ويقول أحد الباحثين ان هذه النتائج تشكل صفعة على وجه أنصار التمييز العرقي، بما أنها أظهرت ان الأفارقة laquo;هم البشر المعاصرون الأنقياء الوحيدونraquo;.
ولكن القارة الأفريقية لم تترك كي تستمتع بدورها التطوري، فقد نشرت الصحف نتائج ابحاث تقول ان آسيا لا افريقيا هي موطن laquo;الرئيسياتraquo;، وهي الثدييات او اللبائن التي تضم الانسان والقرود، وجاء في صحيفة الشرق الأوسط، 2010/10/29، أن الاكتشاف الجديد يأتي عقب عثور العلماء على متحجرات يعود تاريخها الى نحو 39 مليون سنة مضت، لأربعة أنواع من القرود العليا الشبيهة بالانسان التي تسمى laquo;انثروبويدraquo; في الصحراء الأفريقية، وسط ليبيا. ولا تشبه هذه الحيوانات ايا من مثيلاتها التي عثر عليها في أفريقيا التي يعود تاريخها الى الفترة نفسها، ولذا يعتقد العلماء انها اتت اليها من قارة اخرى، وكانت النظريات العلمية حتى الآن قد اعتمدت على دلائل مفادها ان الانسان ظهر في أفريقيا قبل ما يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين سنة. وكان آخر جد للانسان وقرود الشمبانزي قد عاش قبل 5 الى 7 ملايين سنة مضت في أفريقيا. الا ان الاكتشافات الجديدة ستغير هذه الاعتقادات. ويقول الباحث د.كريستوفر بيرد، laquo;لو لم تنجح تلك القرود في مهمتها في الانتقال من آسيا الى أفريقيا.. لما ظهر الانسان على وجه الأرض.. اننا نوجه انظارنا الآن الى قارة آسيا كموقع انطلاق القرود الأولىraquo;.