فيرونيك أبو غزاله


شهدت الصحافة الورقية خلال السنوات الأخيرة أزمة حقيقية في مختلف دول العالم، والعام 2013 لم يكن مختلفاً أبداً. فالصحافة ما زالت تخوض معركة الوجود في مواجهة وسائل اتصال أكثر قدرة على التفاعل مع القرّاء في كلّ مكان وخلال أي وقت، مثل المواقع الإلكترونية في مختلف أشكالها وشبكات التواصل الاجتماعي كموقع laquo;فايسبوكraquo; وraquo;تويترraquo;. وتتمثّل الأزمة في نشوء جيل جديد ابتعد عن الصحف الورقية في شكل شبه كامل، وشيوع ثقافة الحصول المجاني على المعلومة، فيما تضطر بعض الصحف الى رفع ثمن نسخها اليومية لتعويض الخسائر الناتجة من تراجع مبيعاتها وعزوف المعلنين عن الإعلان فيها.

وإذا كانت بعض الدول لم تلحظ بعد هذه الأزمة، فالصحافة الورقية الغربية في القارتين الأوروبية والأميركية الشمالية هي الأكثر تأثراً حتّى الآن.

ووفق laquo;جمعية المحرّرين الأميركيينraquo;، هناك تراجع بنسبة 6.4 في المئة هذه السنة من ناحية الوظائف المُتاحة في عالم الصحف في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى صعيد الإعلانات، كشفت مؤسسة laquo;غانيتraquo; للإعلام والتسويق أنّ خسارة الصحف وصلت الى بليون دولار أميركي في هذا المجال خلال العام 2013، وهذا ما يثير الكثير من المخاوف حول مستقبل الصحف خلال السنوات القليلة الماضية في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه اليوم.

صحف تودّع الحياة

سباق الصحف الورقية مع الوقت ملحوظ كثيراً خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية حيث شهد العام 2013 laquo;رحيلraquo; العديد من الصحف، خصوصاً تلك التي توزّع داخل البلاد. فضمن مؤسسة laquo;سيفيتاس ميدياraquo; وحدها أقفلت ثماني صحف محلية، ولحقت بها مؤسسة laquo;لي انتربريز إنك.raquo; التي أقفلت صحيفتين أيضاً، ما أدّى الى تسريح عشرات العاملين.

واضطرت صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; إلى بيع laquo;بوسطن غلوبraquo;، بعدما بلغت نسبة خسائرها المالية 94 في المئة، الى مالك فريق laquo;ذي بوسطن رد سوكسraquo; جون هنري. وكانت laquo;بوسطن غلوبraquo; محظوظة أكثر من غيرها على رغم خسائرها، لأنّها وجدت من ينقذها من الموت المحتّم. وتجدر الإشارة الى أنّ صحيفة laquo;شيكاغو تريبيونraquo; لجأت إلى اقتطاع الكثير من التكاليف أيضاً عبر تخفيض أعداد العاملين واتّخاذ اجراءات أخرى، ما يثير الشكوك حول المستقبل القريب لهذه الصحيفة أيضاً.

ليس بعيداً من الولايات المتحدة الأميركية، شهدت كندا أزمة كبيرة على صعيد الصحافة الورقية، إذ أغلقت شركة laquo;صان ميدياraquo; 11 صحيفة دفعة واحدة، واقتطعت 360 وظيفة بهدف توفير نحو 55 مليون دولار من الخسائر المالية. وصرّح الناطق الإعلامي باسم الشركة مارتن ترامبلاي أنّ laquo;العمل في الصحف الورقية أصبح تجارة صعبة جداً، ويجب على laquo;صان ميدياraquo; كما غيرها من الشركات أن توازن بين مدفوعاتها وعائداتها ولو اضطرت الى إقفال صحف وتسريح عمّالraquo;.

القارة الأوروبية من دون صحف؟

الصدمة الأكبر كانت في المملكة المتحدة حيث أقفلت صحيفة laquo;لويدز لستraquo;، وهي واحدة من أعرق الصحف الورقية في العالم، على أن تتحوّل الى نسخة إلكترونية فقط بسبب تراجع الطلب عليها. وعمر هذه الصحيفة 280 سنة، وبالتالي لم يكن سهلاً الانتقال الى العالم الرقمي، لكنّ استطلاعاً لآراء قرّاء الصحيفة أظهر أنّ أقلّ من 2 في المئة فقط يعتمدون حصرياً على النسخة المطبوعة للوصول الى محتويات الصحيفة. وقال ناشر الصحيفة ريتشارد ميد، في هذا السياق، أنّ laquo;النهج الرقمي يمكن أن يوفّر عائدات جديدة وفرصاً للإبداع، بالإضافة الى خدمة فورية تقدّم تغطيات إخبارية متعمّقةraquo;. بالإضافة الى هذه الصحيفة العريقة، أقفلت laquo;ليفربول بوستraquo; التابعة لمجموعة laquo;ترينيتي ميرورraquo;، بعد 158 سنة على صدورها، بسبب انخفاض نسبة الإعلانات وتراجع التوزيع.

وكلّ هذا ليس مستغرباً فيما يصرّح المدير التنفيذي لصحيفة laquo;ذي غارديانraquo; العريقة أنّه ليس متأكداً أبداً إذا كانت صحيفته يمكن أن تنجو في المملكة المتحدة بما أنّ السوق لم تعد تحتمل المزيد من الصحف مع تراجع الإعلانات.

ونادرة هي الدول التي سلمت من أزمة الصحافة الورقية في القارة الأوروبية حيث استطاعت بعض الحكومات لملمة المشكلة من خلال مساعدات مباشرة للمؤسسات الصحافية. إلا أنّ الدول الأخرى كانت في عين العاصفة، ففي إيطاليا أقفلت صحيفة laquo;د نيوزraquo; التي كانت نشرت للمرّة الأولى في العام 2008، وسُرّح العاملون منها. وفي ألمانيا، لم يكن الجسم الصحافي أنقذ نفسه بعد من تبعات إغلاق صحيفة laquo;فاينانشال تايمز دوتشلاندraquo; في أواخر العام، حتّى جاءت الضربة الأقوى عبر إغلاق صحيفة laquo;فرانكفورتر راندشوraquo; التي كانت معروفة بمهنية مراسليها والصحافيين العاملين فيها، وهي تُنشر في ألمانيا منذ العام 1945.

أمّا في اليونان، فعاشت الصحافة الورقية تقلّبات متنوّعة هذه السنة، بعد التأثيرات الخطيرة التي تلّقتها من الأزمة المالية في البلاد. فصحيفة laquo;ألفتروتيبياraquo; التي توقّفت عن العمل مدّة 17 شهراً بسبب عدم قدرتها على دفع رواتب موظّفيها، عادت الى أكشاك الصحف في شكل متواضع، ولكن من دون أن يكون مستقبلها كما غيرها من الصحف اليونانية واضحاً بعد.

أزمة عالمية

هذا المشهد السوداوي لا يتبدّد حتّى بعد إشاحة النظر عن القارتين الأميركية والأوروبية، فالأزمة عالمية وتضرب مختلف الدول. وأكبر مثال على ذلك، قيام شركة laquo;فيرفاكس ميديا ليميتيدraquo;، وهي ثاني أكبر مجموعة صحافية في أستراليا، بتسريح 1900 من العاملين لديها وخفض حجم صحفها الكبرى، بالإضافة الى إغلاق العديد من الصحف المطبوعة المناطقية لخفض النفقات. وانخفضت نسبة الأرباح المالية لهذه الشركة بنسبة 18 في المئة عن العام الماضي، ما ينذر بمزيد من الإجراءات الجذرية التي يمكن أن تتّخذها الشركة. وتطول لائحة الصحف التي تعاني الوضع المالي ذاته، فهل يصحّ ما قاله رئيس مجلس إدارة شركة laquo;أمازونraquo; جيف بيزوس أنّ laquo;الصحف ستصبح منتجاً للرفاهية تماماً كما الأحصنةraquo;؟