خليل علي حيدر

كان عليهم أن يدركوا أنهم يتحركون في بيئة شديدة المخاطر

من النصائح ذات الدلالة في الحياة السياسية بخاصة التحذير القائل: laquo;إيّاك أن تحفر تحت رجليك إن كنت في حفرةraquo;.
وهو ما لم تكترث به جماعة الاخوان في مصر، ودخلت في سلسلة من اعمال التصعيد والعنف والتظاهر، وسيل من التصريحات والتصادم مع قوى الامن ومع عامة الناس في الشوارع والمحلات والاحياء، فعمقت بذلك حفرتها التي وجدت نفسها فيها بعد 30 يونيو 2013، وغاصت اكثر فأكثر في ازمتها. وبدا ان من المستغرب حقا ان يكون تحت امرة الاخوان المسلمين هذا الجيش من القانونيين والدعاة والقادة المحنكين والمتعاطفين، ثم تمضي في هذه السياسة التي فقدت جدواها تماما وخبا بريق شعاراتها بعد أن تغيرت الحسابات والموازنات السياسية والشعبية.
لقد اساءت الجماعة، التي كانت تنوي ان تحكم مصر 500 سنة، لنفسها وسمعتها، خلال الفترة التي امسك بها د.محمد مرسي بزمام حكم مصر. وغلب على ادائها الارتجال والتسرع وضيق الافق والانانية السياسية وحرق المراحل. كما تعجلت، في مخالفة واضحة لنصائح المرشد حسن البنا نفسه، اختطاف الثمر، فمضت تطبق في هذه الفترة المحدودة ما كان متوقعا ان تنفذه في اعوام وعلى مراحل وبالكثير من التمهيد وتهيئة الجو، فكأنها بدأت الحكم الاسلامي بتطبيق الحدود وقطع الايدي والجلد والرجم. وبخاصة وان الجماعة تردد في كل مناسبة انها تقتدي بتاريخ الاسلام، وتسترشد بالنهج النبوي في مكة والمدينة، واذا بها في تحركها عام 2013 تتبع سياسات أقرب ما تكون الى اجراءات ثورة اكتوبر 1917.. في روسيا!
كان على الاخوان ان يدركوا منذ اول يوم ابتسم لهم فيه الزمان، وفتح التاريخ المصري ابوابه، انهم يتحركون في بيئة شديدة المخاطر، وعلى ارضية سياسية مزروعة بالالغام من كل لون وحجم ومقاس، منذ اعوام 1948 و1952 و1954 و1965.. وسنوات طويلة لاحقة!ط


وكان المنطق يرجح، وهذا ما كنت أفكر فيه شخصيا ولا احدث به حتى نفسي خشية ان يسمعني الاخوان، ان يتوسعوا في مجال التصالح مع الخصوم والاعداء، وفي مجال التقريب والتقرب، وان يبذلوا الكثير من المال ويهبوا ارفع المناصب لكسب ولاء laquo;المؤلفة قلوبهمraquo;. وان يباشروا معركة اعلامية اعلانية يتولى التخطيط لها والتنفيذ فرعهم الكبير في الولايات المتحدة واوروبا مثلا، حملة اعلامية تزين صورتهم وتمسح عن عقول المصريين ترسبات نحو ستين عاما ونيف من الدعاية المضادة. وكنت اتوقع ان يعمد الاخوان الى تدشين مرحلة من كسب الثقة وازالة الصور والجداريات والجرافيتي المضادة للاخوان داخل عقول المصريين والمصريات وعموم العرب والعالم، قبل ان يبرزوا تلك النيوب ويظهروا المخالب المعقوفة، وقبل الانطلاق في سياسة الاقصاء والهيمنة والاخونة، واجتثاث كل من، وما، يرتابون فيه ويتوجسون منه.
والآن، بل ومنذ فترة، ما من عاقل واقعي التفكير في جماعة الاخوان، داخل مصر وخارجها، إلا ويستبعد امكانية استعادة فرصة الحكم تلك، التي اتيحت للاخوان في مصر، فلتة من فلتات التاريخ وقى الله مصر مخاطرها وشرها، سنحت اثر انتخابات تلت ثورة شعبية عارمة، ترددت الجماعة الغارقة في حساباتها وامتيازاتها، عن دعمها وقيادتها، على الرغم من صمود الاخوان الطويل للقمع والملاحقة والحرمان، ثم ضاعت منهم الفرصة كما وجدوها في غفلة من الزمن، لتغوص في اعماق محيط التاريخ، وقد لا تسنح الفرصة ثانية الا مع عودة laquo;مذنّب هاليraquo; أو ظهور نجم جديد!ط
ولم تكن خسارة الاخوان، الذين اختلط فرحهم بالفوز بحزنهم بالخسارة، كمية فحسب، بل كيفية ايضا. فالاخطر مما سبق ذكره، فقدان الاخوان لتعاطف قطاع عريض من الشعب المصري، وربما تزعزع قناعة بعض اعضاء الجماعة بحسن ادارة القيادة. وبذلك تبدد جزء كبير من الهالة التي احاطت بالاخوان طويلا، باعتبارهم من رموز التصدي للديكتاتورية والفساد، وجند الله في معركة الحق والشريعة ضد طواغيت الباطل والعلمانيين. وصارت جماعة الاخوان هم جوهر المشكلة بدلا من ان يكونوا الحل والعلاج.


لقد اصطدمت الحكومة المصرية الثورية الجديدة بهم قبل ايام، واصدرت قرارها باعتبار جماعة الاخوان تنظيما ارهابيا، وعزمت على بدء حياة سياسية جديدة بعد اقرار الدستور يوم 15 يناير 2014 بدون الاخوان. ولا شك ان ثمة تعجلا واضحا في هذا القرار، وحاجة ماسة الى اثباتات قانونية ونقاش. ولا شك ان استقرار مصر ما بعد يناير 2011 ويونيو 2013، بحاجة ماسة الى كل المصريين وكل الجماعات. وغاية ما نتمناه ان يهدأ الاخوان، وان يدرسوا بعناية فائقة اسباب نكبة 2013، ضمن سلسلة نكبات ومصائب الاخوان.
أما الباحثون في تاريخ هذه الجماعة، ودارسو سلوكهم السياسي وعقليتهم الحزبية، فيستغرقون في جدل طويل، قبل ان يجيبوا عن السؤال التقليدي: هل نُحرت الجماعة.. أم انتحرت!؟ وهل ستبعث في ثوب جديد؟