عبد الوهاب بدرخان

في العام الثالث من التحولات العربية فرضت الحروب على الإرهاب نفسها في أكثر من مكان، كما لو أنها الممر الضروري نحو التغيير، أو كأن الإرهاب وجه آخر لأنظمة سقطت ووجب أن يسقط معها، أو أخيراً كأنه أحد إفرازات الفوضى واختلال الأمن التي رافقت وصول القوى الإسلامية أو سعيها إلى السلطة والحكم.

لكن الأكثر إقلاقاً أن تبدو الظاهرة أو ينظر إليها باعتبارها من صميم المجتمعات نفسها، وهو ما اقترحته ردود فعل متعصبة ومتسرعة على أثر هجمات 11 سبتمبر 2001، وما لبثت أبحاث ودراسات غربية أن أكدته وربطت عداءه للغرب بطبيعة الثقافة السياسية والاجتماعية التي ينتجها بعض اجتهادات الإسلام وتطبيقاته، لكنها عزته أيضا إلى ممارسات أنظمة حكم مستبدة وفاسدة، إلى سياسات تعليمية متخلفة، وإلى نقص فادح في التنمية بمختلف مجالاتها ومستوياتها.

بالنسبة إلى العرب، في مجتمعاتهم، وبالأخص منهم المسلمين، كان ولا يزال صعباً بل مرفوضاً تجريم الدين الإسلامي كمسؤول عن هذا التطرف الأعمى.

ذاك أنهم مسلمون منذ مئات السنين، ولم يحدث أن تعرضوا لتحد كهذا يشككهم في إيمانهم وفي أنفسهم وكأنهم أفاقوا فجأة على إسلام طارئ لا يعرفونه.

ولو أرادوا الرد لقالوا إن التربية المنبثقة من الإسلام، كما تطبق في التعليم، لا تدفع إلى التطرف والعنف بل إلى الطاعة والاستكانة، أي إلى عكس ما يعتقده الغرب الذي خبر العالم العربي لزمن طويل ولم يكتشف laquo;إرهابهraquo; إلا عندما ضرب في مدنه ثم سماه laquo;إسلامياًraquo; لمجرد أن شخوصه اعتمدت خطاباً متنكراً بالدين، متجاهلاً أن الإسلام الآخر المسالم كان ولا يزال هو السائد.

لم ينس أحد اعتذار الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش عن دعم الولايات المتحدة، طوال ستين عاماً مضت، أنظمة حكم عربية لم تحسن سوس دولها وقصرت في حق شعوبها.

ثمة اعتذارات كثيرة مطلوبة من أميركا وواجبة عليها، وأهمها ما يتعلق بدعم أميركي دائم لإجرامها الموثق دولياً وبدعم متواضع جداً لإنصاف الشعب الفلسطيني.

غير أن بوش اختار ذلك الاعتذار يوم كان يروج لمشروع laquo;الشرق الأوسط الكبيرraquo; والأفكار ndash; المطالب الداعية إلى الإصلاحات السياسية (الدمقرطة) والاقتصادية (التنمية ومكافحة الفساد) والاجتماعية (تمكين المرأة واحترام حقوق الإنسان)، وهو أرفق ذلك بحربين كانت نتائجهما كارثية بإفضائهما إلى تكريس الإرهاب وكأنه laquo;الخيار الآخرraquo; الفعلي لمواجهة غزو واحتلال أميركيين، ثم أن خلفه باراك أوباما أرفق دعمه لـ laquo;الربيع العربيraquo; ولإسقاط تلك الأنظمة بخطط انسحاب غير مدروسة أدت إلى عودة الديكتاتورية إلى العراق ويمكن أن تعيد حركة laquo;طالبانraquo; إلى حكم أفغانستان.

ومن شأن هاتين الوصفتين laquo;إعادة الاعتبارraquo; للإرهاب بصفته laquo;قوة تغيير حقيقيةraquo; في العالمين العربي والإسلامي. كما أنهما تمكنان الولايات المتحدة من مواصلة التهرب من أي مسؤولية عن نشوء الإرهاب بنسخته الأفغانية (بعد انسحاب السوفييت والأميركيين معا أواخر الثمانينيات) ومن ثم بتفريخاته المتعددة. يجري التعامل غربياً مع مسألة الإرهاب وكأنه يعود حالياً إلى منابعه ويجب عدم إعاقته، لكن المطلوب قطع الطريق على اتباعه من المهاجرين. وكان يقال إن تأثر شبان مسلمين أميركيين وبريطانيين بـ laquo;فكر الإرهابraquo; يعد انتصاراً لتنظيم laquo;القاعدةraquo;. وثمة من يقول الآن إن المؤشر الملموس لنجاح الحرب الأميركية على الإرهاب يتمثل عملياً بإعادته إلى laquo;مصدرهraquo; الأصلي، إلى بيئته العربية.

وفي حال سوريا، مثلاً، حيث استحال التغيير من الداخل ومن الخارج، يصور الأمر كما لو أن الشعب ثار على نظامه توقاً إلى نظام يقوده laquo;البغداديraquo; أو laquo;الجولانيraquo;، أو أي من أتباع أسامة بن لادن ومبايعي الظواهري، ولذا ينبغي تصحيح المسار ولو بالإبقاء على النظام.

أما بالنسبة إلى مصر، فلا تزكي واشنطن اعتبار جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; تنظيماً إرهابياً، وكأن من قاموا بتفجير مديرية الأمن في المنصورة إنما كانوا يطالبون- سلميا- بـ laquo;عودة الشرعيةraquo; بإعادة laquo;الإخوانraquo; إلى الحكم، وحيث لا استقرار يجد الإرهاب بيئة حاضنة. ودعك من الخطاب الديني فهو مجرد وسيلة دعائية.

كانت الأنظمة السابقة قد دافعت عن laquo;استقرارraquo; ما حققته واعتبرته عنوان نجاحها، لكنها أقامته بأساليب ملتوية وقمعية، وعلى حساب الحريات والحقوق والتوزيع العادل للموارد والفرص، ولأنها فشلت في تطويره فقد أدى إلى إسقاطها، بل لأنه لم يكن استقراراً حقيقياً، فقد كان مهدداً دائماً بالإرهاب.

أما الواقع الراهن، فيقدم برهاناً قوياً على الحواضن الإسلاموية للإرهاب ليست صنواً لأي استقرار.