محمد صالح المسفر


( 1 ) غريب امر امتنا العربية المعاصرة اتابع حركة هذه الامة منذ زمن بعيد لم اعثر على اثر ارتضاه الانسان العربي لهذه الامة في عصرنا الحاضر. ثورة مصر عام 1952 واسقاط النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري خرج الناس في مصر وفي اقطار عربية اخرى الى الشوارع يهتفون ترحيبا بالثورة وقادتها في ذلك الزمان. تحققت بعض اماني الشعب العربي والشعب المصري في ان واحد. في المجال الخارجي على سبيل الحصر تحقق للعرب كسر احتكار السلاح، وتشكيل منظومة عدم الانحياز (لا شرقية ولا غربية) وتم القضاء على حلف بغداد الذي كان يجمع تركيا (مندريس) وشاه ايران، محمد علي بكرا رئيس وزراء باكستان ونوري السعيد في بغداد . وقيام الوحدة العربية بين مصر وسورية والتي لم تدم طويلا لاسباب ليس هنا موضوع مناقشتها .
في المجال الداخلي لمصر تحقق تأميم قناة السويس واصبحت ملكا لمصر ، بناء السد العالي، الاصلاح الزراعي، مجانية التعليم وغير ذلك. صحيح انها واجهت ازمات وعدوانا مسلحا لكن كان شعب مصر الى جانب نظامه السياسي رغم كل حملات التشويه التي تعرضت لها مصر العزيزة من دول عربية وغربية .
كانت حرب 1967 نقطة تحول في تاريخ مصر نظرا لتعرضها لهزيمة / نكسة عسكرية امام اسرائيل ووصول الجيش الاسرائيلي الى الضفة الشرقية لقناة السويس، لكن قدرة الشعب المصري ونظامه وتعاونه استطاع ان يحقق انتصارا في حرب الاستنزاف ومن ثم تحرير اجزاء كبيرة من سيناء .
برز في تلك الحقبة السوداء في تاريخ مصر والعرب منهج سياسي تبناه الاخوان المسلمون ومناصروهم على امتداد الوطن العربي يقول هذا المنهج ان الفكر القومي الذي تقوده مصر في ذلك الزمان قد فشل في النهوض بمصر والعرب، وكذلك فشل المشروع الماركسي في تحقيق اماني الامة العربية وان الحل لكل معضلات العرب هو الحل الاسلامي وليس سواه، ونكاية في التوجه القومي الذي كان سائدا في مصر بصفتها اكبر الدول العربية ساند هذا الفكر 'الحل الاسلامي' الكثير من الدول العربية وبعض القوى السياسية في داخل مصر .

( 2 )
حدثت ثورة الشعب المصري العزيز (25 يناير) واسقطت نظام الفساد والظلم والطغيان والتبعية الذي كان يقوده الرئيس المخلوع حسني مبارك ولن ادخل في تفاصيل الحراك السياسي الذي اعقب سقوط النظام، لكني اتوقف عند الانتخابات التكميلية لانتخاب رئيس الجمهورية فكان الخيار بين عودة النظام المخلوع يمثله (احمد شفيق) او مرشح الاخوان المسلمين (الدكتور محمد مرسي) فكان الخيار الثاني الذي نجح في الانتخابات .. قيل لنا ان الاسلام هو الحل ولكن هل سيمكن التيار الاسلامي لتحقيق برنامجه السياسي ؟
والحق ان جهودا عربية ومصرية ودولية وضعت كل العراقيل والعوائق كي لا ينجح التيار الاسلامي في دول الربيع العربي في ادارة الدولة ومن ثم تحقيق الاهداف للنهوض بتلك الدول ووضعها في مصاف الدول المتقدمة. في مصر مظاهرات معروف من يسيرها استعملت العنف وعطلت حركة الانتاج في كل حقوله الامر الذي ادى الى انخفاض سعر الجنيه المصري وارتفاع معدلات الجريمة واشغال القيادة السياسية عن تحقيق اصلاحات بمعنى اخر هذا الحل الاسلامي لم يعد هو المطلوب، وان المطلوب هو عودة الفلول في مصر ومن رافقهم في مسيرة العمل امثال البرادعي وعمرو موسى وغيرهم من اتباع الفلول . في تونس حالها حال مصر اضطرابات واعتداءات على رموز التيارات الاسلامية اقصد 'حركة النهضة' التي تعتبر اكثر انفتاحا واكثر تحررا واكثر قبولا للاخر. السلفيون في كل مكان يريدون العودة بالامة الى عهد الخلفاء الراشدين وفي اعتقادي فان ذلك المطلب صعب المنال في تاريخنا المعاصر لاسباب موضوعية ليس هنا مكان شرحها .
المصيبة ان الذي يقود الحراك ويحرض على العصيان المدني ومواجهة رجال الامن هم بعض مثقفي مصر العزيزة وتونس الخضراء، هم الاكثر معرفة وخبرة عاشوا في الدول الغربية وعرفوا مفهوم الديمقراطية ممارسة وتنظيرا فلماذا لا يقبلون بنتيجة الانتخابات التي اتت بالاسلاميين الى سدة الحكم والدخول في ميدان الانتخابات القادمة لانتخاب نواب الشعب ومن هناك ان تمكنوا ولهم شعبية في مصر او تونس يستطيعون الهيمنة على المجلس التشريعي وعندها يطرحون افكارهم عبر مؤسسات دستورية بدلا من تحريض العامة والعاطلين عن العمل واطفال الشوارع لقطع الطرقات وحرق المؤسسات الحكومية ومواجهة رجال الامن بالعنف غير المبرر.
اخر القول : في الغرب الديمقراطي المعارضة جزء من السلطة الحاكمة، حزب يحكم وحزب يراقب اداء الحكم، والقضاء بلا اهواء سياسية في الدول الديمقراطية وفي ديمقراطية العرب القضاة هم رجال السلطة الحاكمة، لم اقرأ ولم اسمع ان وكلاء النيابة في اي دولة من دول العالم اضربوا عن العمل نظرا لفصل النائب العام وتحويله الى وظيفة اخرى الا في مصر. اليس ذلك امرا معيبا يا عرب؟