عاصم عبد الخالق

لماذا جاء وزير الخارجية الامريكي جون كيري الي القاهرة؟ تقول المعارضة إنه حضر لدعم الرئيس مرسي وهذا صحيحrlm;.rlm;

وتعلن الحكومة ان زيارته لتأكيد التزام بلاده بمساعدة مصر علي تجاوز ازمتها الاقتصادية هذا ايضا صحيح. ويري آخرون ان الزيارة استهدفت الضغط علي المعارضة للمشاركة في الانتخابات, وعلي الرئيس تقديم تنازلات لها وهذا كذلك صحيح.
حضر كيري لكل هذه الاهداف وغيرها. ولم يكن في مجيئه ما يدعو للدهشة بل إن تجاهل واشنطن ايفاد شخصية بهذا الحجم الي مصر في هذا الظرف الصعب هو ما كان سيثير علامات التعجب والاستغراب. ما يحدث في مصر ليس شأنا مصريا فقط ولا يمكن لأمريكا ان تكتفي بمراقبته دون محاولة للتدخل او التأثير وهي تفعل ذلك دائما علنا او سرا. كما تعتبر نفسها, شئنا ام ابينا, طرفا فاعلا في تحديد شكل وطبيعة وتوجهات الحكم في مصر.
الحضور الامريكي القوي علي الساحة المصرية سواء كان معلنا او غير معلن يثير ثلاثة تساؤلات اساسية اولها ما هي حدود الدور الذي يمكن ان تلعبه واشنطن في مصر بعد الثورة للتأثير علي مجري الاحداث؟ وثانيا هل يمكن ان تكرر مع الرئيس مرسي نفس الاخطاء التي ارتكبتها مع مبارك ما دامت المصالح لم تتغير؟ ثم اخيرا ما هو شكل مصر الجديدة الذي تريده واشنطن بالفعل, إن كان ثمة صورة ما تريدها لنا ولم تفصح عنها؟.
التنقيب في الصحف الامريكية يتيح لنا العثور علي اجابات وافية نستهلها بالإشارة الي ما كتبته تامارا ويتس وهي واحدة من اشهر الخبراء في الشأن المصري. وتعتقد انه خلافا لما يروجه كثيرون حول تضاؤل النفوذ الامريكي في مصر فإن واشنطن ما زالت لديها اوراق حاسمة ومهمة للتأثير علي مجريات الاحداث. والمعارضة والإخوان كلاهما يهتم كثيرا بما تفكر فيه واشنطن او تفعله او تريده. والطرفان يتطلعان اليها سرا لمساعدتهما حتي لو لعنوها علنا علي حد قولها.
ولان هذه السيدة لا تنقصها الصراحة فهي تطالب بلادها باستثمار هذا الوضع وتحفيز الطرفين او الضغط عليهما للوصول الي حلول وسط. ورغم انتقادها للرئيس مرسي وتعاطفها مع المعارضة فهي لا تخفي رفضها لمقاطعة الانتخابات. وتأخذ علي المعارضة الاكتفاء بحشد المتظاهرين او الدعوة لانقلاب عسكري تعتبره كارثة حقيقية. والنصيحة التي تقدمها للتيار المدني هي ألا يعتقد انه سيكون الرابح اذا سقط الاخوان.
ولا تدعو ويتس حكومتها للتخلي عن مرسي, غير ان مواصلة دعمها له اذا رفض الاصلاحات يعني تكرار الخطأ الذي ارتكبته مع مبارك. فما الحل؟. السؤال اجاب عنه خبيران آخران في الشأن المصري هما روبرت كيجان وزميلته ميشيل دان في مقال نشرته مجلة اطلانتيك قبل يومين. لا يستبعد الاثنان تكرار هذا الخطأ الكارثي. ويحذران منه بشدة ويعتبران ان تدليل بلادهما لمبارك جعله يرفض الاصلاحات وبالتالي تفجرت الثورة وهو سيناريو يجب عدم تكراره. ولكن الخطأ القاتل الذي ترتكبه واشنطن الآن ليس تدليل مرسي انما التعامل مع المسألة المصرية باعتبارها مشكلة اقتصادية وليست ازمة حكم عميقة.
ويتفق الباحثان مع ما ذهبت اليه ويتس من ضرورة الضغط علي الرئيس لإنهاء الازمة الحالية وإنجاح تجربة التحول الديمقراطي. ولكن هل هذا ما تريده او تهتم به واشنطن بالفعل؟
الاجابة نجدها علي صفحات مجلة فورين بوليسي حيث يجزم الباحث ستيفن كوك بان ما تسعي اليه واشنطن هو ما يحقق مصلحتها بالدرجة الاولي اي استقرار مصر وليس الديمقراطية. دون ان يعني هذا انها تمانع في اقامة نظام ديمقراطي. غير انه يؤكد انه سواء كان النظام ديمقراطيا او ديكتاتوريا فإن هذا الامر لا يقلق واشنطن كثيرا فلديها اهداف اهم هي حماية وجود وامن اسرائيل, واستمرار المنظومة السياسية والأمنية القائمة في الشرق الاوسط وتدفق النفط. وكل هذا لا يتحقق إلا بالحفاظ علي استقرار مصر. ولا يهم بعد ذلك من يحكم؟ وكيف يحكم؟.