عصام نعمان

ثمة ldquo;سوريتانrdquo;: واحدة في الداخل وأخرى في الخارج . في سوريا الداخل نظام ومعارضة يتحاربان . الحرب بين الطرفين أنتجت أربعة ملايين مهجّر ومتضرر، يهيمون على وجوههم متنقلين بين مناطق لم تصلها، بعد، نيران الحرب .

سوريا الخارج لا تقل بؤساً عن سوريا الداخل . بحسب صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة ldquo;يونيسيفrdquo;، يبلغ عدد اللاجئين السوريين إلى دول الجوار مليونين، بينهم 800 ألف طفل، وينتشر نصف مليون من هؤلاء الأطفال في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر . لا يتأخر حلفاء المعارضة والنظام عن توريد الأسلحة إلى المتحاربين في الداخل . يعلنون ذلك جهاراً نهاراً، بل إن وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس يدعو إلى ldquo;تخفيف الحظر المفروض على السلاح المرسل إلى سوريا ( . . .) إذا كنا نريد زعزعة بشار الأسد فلا بد من إفهامه أنه لن يتمكّن من الانتصار بقوة السلاح، ولا بد لذلك من خلق توازن قوى جديدrdquo; .

معنى ذلك أن الحرب في سوريا الداخل مستمرة وستتفاقم، ولا بد من أن تنعكس سلباً على سوريا الخارج . هذا، في الأقل، ما فهمه مسؤولو ldquo;يونيسيفrdquo;، فكان أن وجهوا نداء إلى المجتمع الدولي لتأمين أكثر من 195 مليون دولار لتلبية الحاجات الأساسية للأطفال والنساء المتضررين من الحرب في سوريا ولبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، محذرين من أن ldquo;يونيسيفrdquo; سيضطر إلى وقف عدد من التدخلات الأساسية المنقذة للأرواح قبل نهاية الشهر الجاري، كما سيعجز عن تلبية الحاجات الأساسية للأطفال، ما لم تؤمن الدول المانحة المبالغ المطلوبة حتى شهر يونيو/ حزيران المقبل .

إلى ذلك، يبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن نحو 450 ألفاً، فيما يبلغ عدد قاطني مخيم الزعتري الحدودي وحده نحو 125 ألفاً .

في لبنان، يبلغ عدد اللاجئين السوريين نحو 350 ألفاً، وهم في ازدياد يومياً . رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قال إن اللاجئين السوريين مع العمال السوريين الذين يوجدون بصورة شبه دائمة، إضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين، باتوا يشكّلون ربع عدد سكان لبنان . وزير الصناعة بانوس مانوجيان قال ldquo;إن السوريين باتوا يأخذون مكان العمال اللبنانيينrdquo;، الأمر الذي من شأنه أن ldquo;يزيد معدل البطالة والهجرةrdquo; .

لا تشكّل سوريا الخارج على دول الجوار، من خلال ملايين لاجئيها، عبئاً اجتماعياً وإنسانياً فحسب، بل تشكّل أيضاً، في رأي بعض مسؤولي تلك الدول، خطراً أمنياً وسياسياً .

الخطر الأمني مصدره نزوع قوى المعارضة السورية إلى استجرار السلاح والعتاد عبر حدود سوريا المشتركة مع لبنان والأردن والعراق وتركيا . وإذا كانت تركيا لا تجد حرجاً في دعم المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً، فإن حكومات لبنان والأردن والعراق ومصر، فضلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، تنفي أي تدخل أمني أو عسكري في سوريا، وإن كان بعضها يؤيد المعارضة السورية سياسياً وإعلامياً .

في الأردن، ثمة انقسام في الرأي العام بين مؤيد لسوريا في ظل الرئيس بشار الأسد، وبين معارضين للأسد ومؤيدين للمعارضة المسلحة، ولا سيما للقوى الإسلامية المقاتلة . ذلك أسهَمَ في حمل رئيس الوزراء عبدالله النسور على التخوّف من ldquo;انفجار الأوضاع في سوريا وحدوث كارثة عالمية من جرائهاrdquo; .

في فلسطين المحتلة، يتخوّف قياديو السلطة، كما الفصائل والأوساط الشعبية، من مخاطر تفاقم الأزمة السورية وانعكاسها على مخيمات الفلسطينيين في سوريا ولبنان، ذلك أن مجموعات من الفلسطينيين الإسلاميين في مخيم اليرموك، قرب دمشق، وغيره من المخيمات ساندوا إخوانهم الإسلاميين في القتال، الأمر الذي أدى إلى تعريض المخيم وسكانه إلى نيران المتحاربين، وإلى نزوح آلاف منهم إلى لبنان والأردن .

في لبنان، يتخوّف المسؤولون من ظاهرتين . الأولى، تأييد بعض الإسلاميين اللبنانيين علناً للمعارضة السورية المسلحة، وقيام بعضهم الآخر بتخطي الحدود متطوعين في صفوف ldquo;الجيش السوري الحرrdquo; وسقوط ضحايا منهم . الثانية، قيام بعض الإسلاميين اللبنانيين ldquo;الترسملrdquo; على تأييدهم للمعارضة السورية وعدائهم للنظام السوري من أجل تعبئة ذات أفق مذهبي .

يزداد الأمر خطورةً مع اقتراب نهاية ولاية مجلس النواب، وعجز القوى السياسية المتصارعة عن الاتفاق على قانون ldquo;توافقيrdquo; للانتخابات . ذلك قد يتسبب في نشوء فراغ دستوري، نتيجة غياب السلطة التشريعية، وقد يتطور الأمر إلى انفجار أمني يُخشى معه من أن يلعب الإسلاميون الفلسطينيون والسوريون الموجودون في لبنان دوراً في جهود ناشطة لإثارة صراع مذهبي .

الخطورة نفسها تلوح في الأردن نتيجة تفاقم الصراعات الداخلية، ما قد يؤدي إلى قيام الإسلاميين الأردنيين، كما السوريين المقيمين في الأردن، بلعبِ دورٍ في المخطط الأطلسي الذي يرمي إلى خلق ظروف موضوعية لتحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، وبالتالي للدولة الفلسطينية الموعودة .

في العراق، تكشف أنشطة المعارضة السورية المسلحة العابرة للحدود المشتركة، كما أنشطة القوى العراقية الإسلامية المتعاونة معها، عن جهود لتنفيذ المخطط الأطلسي المشار إليه آنفاً في بلاد الرافدين أيضاً . وليس أدل على ذلك من إعلان تنظيم ldquo;دولة العراق الإسلاميةrdquo; مؤخراً، مسؤوليته عن كمين أدى إلى مقتل نحو 30 جندياً سورياً كانوا لجأوا إلى العراق، بينما كانت السلطات العراقية تقوم بتسليمهم إلى السلطات السورية في معبر حدودي غربي العراق، بعدما انسحبوا من معبر ldquo;ربيعةrdquo; الذي سيطر عليه مسلحو المعارضة .

يتحصّل مما تقدّم بيانه أن سوريا الخارج، بملايين لاجئيها المنتشرين في دول الجوار، كما بعناصر المعارضة المسلحة الناشطة داخل تلك الدول أو على حدودها المشتركة مع سوريا الداخل، قد أضحت مصدر خطرٍ ماثل على الوضع الداخلي في كلٍ من لبنان والأردن والعراق .

والمؤسف أن الدول الكبرى المساندة لأطراف الصراع، ولاسيما فرنسا وبريطانيا، لا تفعل شيئاً محسوساً لرعاية اللاجئين السوريين في لبنان والأردن والعراق وتركيا ومصر، بل نراها مسترسلةً في دعم أطراف الصراع، ومهددةً بتوريد المزيد من الأسلحة لهم بدعوى ldquo;خلق توازن قوى جديدrdquo; في داخل سوريا المنكوبة .