صالح عبد الرحمن المانع

تكاثرت وتزايدت تصريحات الساسة الإيرانيين حول الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في الرابع عشر من شهر يونيو القادم. ويطرح الإصلاحيون بقوة عدداً من مرشحيهم، غير أنهم يحتاجون إلى ضوء أخضر من المرشد الأعلى الذي يبدو أنه متجاوب إلى حدٍّ ما مع فكرة ترشيح شخصية إصلاحية، لتحسين صورة إيران في الخارج، وتخفيف الضغوط الاقتصادية عليها جرّاء العقوبات الدولية.


ويطرح الإصلاحيون بقوة اسم محمد خاتمي، الرئيس السابق لإيران، الذي لا يزال يحظى بدعم شعبي واسع. ويتمتع خاتمي كذلك بدعم من مهندس النظام الإيراني وعميده، أكبر هاشمي رفسنجاني.

ويشترط خاتمي ترشيحه للرئاسة بشرطين أساسيين؛ أولهما إطلاق سراح مرشحي الرئاسة في انتخابات عام 2009، موسوي وكروبي، وكذلك إصدار عفو عام عن جميع المعتقلين السياسيين في الأحداث التي أعقبت تلك الانتخابات.

وبجانب خاتمي، فإنّ هناك مرشحين آخرين من الإصلاحيين يُذكر منهم، غلام حسين كرباسشي، رئيس بلدية طهران، ومحمد علي نجفي، وإسحاق جاهانقيري، وغيرهم. أما المحافظون، فيطرحون بقوة أسماء مثل حسن روحاني، وغلام علي حداد عادل، ومحسن رضائي، وسعيد جليلي.

ويبدو أنّ معظم الشخصيات الإصلاحية كانت من الوزراء الذين عملوا في إدارة كلٍّ من خاتمي ورفسنجاني، أما صقور الأسماء المحافظة، فكانوا قد عملوا في البرلمان أو في مجلس الأمن القومي، أو كرؤساء لوكالة الطاقة النووية الإيرانية. وفي العادة، فإنّ مثل هؤلاء الصقور، قد خدموا في صفوف الحرس الثوري، وتبوّأوا مناصب رفيعة فيه.

وحيث إنّ خامنئي قد حرم الإصلاحيين من الترشح في الانتخابات النيابية التي عُقدت في العام الماضي، فأغلب الظن أنه لن يرمي بثقله لصالح ترشحهم هذه المرة، بل سيحاول أن يجد أشخاصاً وسطاً يمكن أن يكونوا جسر صلة بين الطرفين، المتشدد، والإصلاحي.

ولعل من أبرز هؤلاء وزير الخارجية الأسبق، علي أكبر ولايتي. وكان اسم علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى، والمرشح الرئاسي السابق، يُطرح بقوة لخلافة أحمدي نجاد في منصبه، غير أنّ الضجة التي أثيرت حول قضية سعيد مرتضوي، والنقاش الحاد الذي دار بين لاريجاني ونجاد تحت قبة البرلمان، قد أرخى بظلاله على فرص ترشّح لاريجاني للرئاسة في الجولة القادمة. يُذكر أن لاريجاني ينتمي لأسرة laquo;عامليraquo; المشهورة بالقضاء والعلوم الدينية، ويمثل هو وإخوته أركاناً مهمة في النظام السياسي الإيراني.

والسؤال المطروح، هل يمكن أن تلعب الدول الكبرى دوراً في الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة؟ أم أنها ستقف على الحياد؟ معتبرةً أنّ مرشد الثورة هو الذي يدير الشأن النووي ويحدد مساراته وسبل التفاوض حوله. وفي هذه الحالة، تصبح الانتخابات الرئاسية مجرد جهد ثانوي يضيّع بعض الوقت من المفاوضين للتوصّل إلى صياغة مناسبة كمخرج لإيران من أزمتها الحالية.

والواقع أن الطروحات التفاوضية التي طرحت في laquo;ألما آتاraquo; بكازاخستان، كانت مشجعة للجانب الإيراني. فقد ربطت بين رفع جزئي للعقوبات، خاصة في مجال تجارة الذهب، وبين تجميد التخصيب عند مستوى 20 في المئة (أو هكذا رشحت الأخبار من المفاوضات). وقد ساعد ذلك في تحسن سعر صرف الريال بنسبة 9 في المئة. وقد يجد الإيرانيون سبيلاً عبر هذه المفاوضات لتجميد جزئي لبرنامجهم النووي في سبيل رفع جزئي كذلك، ومبرمج للعقوبات.

غير أنّ الصقور في كِلا الجانبين، الإيراني والأميركي، تحاول أن تجهض أي اتفاق محتمل بين الجانبين في الملف النووي. فبالإضافة إلى نتنياهو وموقفه المعروف من إيران، فإن هناك عدداً من رجالات بوش السابقين، ممن يضغطون على أوباما ليكون أكثر حزماً في التفاعل مع الأزمة الإيرانية. ومن أبرز هؤلاء ريتشارد بيرل وآلان مندوزا، وإيليوت إبرامز، وجون هاناه وغيرهم.

ويهيمن الصقور في إيران بدورهم على كلٍّ من مجلس الشورى والسلطة القضائية، ويؤثرون، ويتأثرون بقرارات المرشد الأعلى.

غير أن الأزمة الاقتصادية الحالية، وظهور بعض التضجّر من قِبل فئات عدة في المجتمع الإيراني نتيجة الغلاء الفاحش في أسعار السلع المستوردة، وسياسة رفع الدعم المقدم لأسعار السلع في مقابل دعم مباشر لميزانية كل أسرة في حدود ثلاثين دولاراً شهرياً، التي انتهجتها حكومة نجاد، قد دفعت ببعض الشخصيات الفاعلة في النظام، من أمثال رفسنجاني، إلى انتقاده بقوة، والدعوة لتغيير هذه السياسات الاقتصادية المؤلمة للقطاعات الشعبية الفقيرة.

ولهذا كله، فإن المخرج الوحيد المتاح هو الدفع بشخصية سياسية معتدلة لتبوّؤ منصب رئيس الجمهورية الشرفي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن على إيران التخلص من سياساتها الانغلاقية القديمة، ومحاولة إعادة نفسها إلى سياسات التفاوض والحلول الوسط مع المجتمع الدولي، سواءً في الملف النووي، أو غيره من الملفات السياسية والاقتصادية. فالسياسات الحالية لإيران تنتمي إلى فترة قديمة كانت تتبعها بعض الدول المعزولة عن المجتمع الدولي، في الخمسينيات والستينيات. أما في الفترة الحالية، فإن الاهتمام بالإنفاق المدني وبالتعاطي الإيجابي مع دول الجوار، ومع الدول الكبرى، يحتم على جميع الدول أن تنتهج سياسات مرنة في مجال تعاطيها مع الشأن الخارجي.

وربما تسنح الانتخابات الرئاسية القادمة، وتقدّم شخصية معتدلة تستطيع أن تتعامل، وأن تتفاعل بشكلٍ إيجابي، مع جوار إيران الجغرافي، وتفتح مساراً أفضل في سياسات البلاد الداخلية منها، والخارجية.