فاتح عبدالسلام


طوال سنوات عدة تعارفت النخبة الحاكمة وهوامشها في بغداد على أن الارتباط بين العملية السياسية وتشكيلة الحكومة العراقية ارتباط مقدس. حيث ولدت الحكومة من رحم عملية سياسية اشترك كثيرون في هندستها وتحسين هندامها وصبغ شعرها منذ أول قذيفة أطلقها الأمريكان في حرب احتلال العراق.
غير إنّنا لا نزال نرى مَنْ يعدُّ أيّ دعوة للتغيير والاصلاح والمراجعة الجدية انقلاباً على العملية السياسية ذات الرباط المقدس. ويزيدون الطين بلة حين يربطون مصير الحكومة بالعملية السياسية، فأصبح أمامنا الوضع ذا جانبين مقدّسين، فضلاً عن مقدّسات تقليدية ترهق العراق وتعود به الى القرون الوسطى ما أنزل اللّه بها من سلطان ولا نريد الخوض بمياهها.
ثم تأتي الانسحابات من الحكومة، التي يفهم منها في كل العالم أن المنسحب، إمّا أنْ يذهب إلى صف المعارضة البرلمانية أو أن يخرج من الملعب السياسي كلّياً. بيد إنه يجري في العراق أمر غريب، نراهم ينسحبون من الحكومة علناً ويمارسون أدوارهم سرّاً أو إنَّهم ينسحبون من الباب ثم يسعون للعودة من النافذة إلى الحكومة ذاتها أو نراهم ينسحبون ولا يتحولون إلى معارضة برلمانية وإنما يظلّون بين أمواج الشارع أو نجدهم ينسحبون فعلاً ويعلنون انّهم غير منسحبين.


المشكلة معقدة ومزمنة لا يمكن حلها إلاّ من خلال وضع نقطة نهاية السطر والبدء بسطر جديد في صفحة جديدة تنطلق فيها عملية سياسية أخرى خارج نتاج موكب الحرب الأمريكية والنفوذ الإيراني والأصابع الإقليمية التركية والعربية الأخرى. ويتم إقرار دستور جديد يكون هو أبا العملية السياسية وليس كما هو الحال الآن، حين تحتوي العملية السياسية كلّ شيء وتمارس عليه دور الأبوة والأمومة.
المسألة ليست سهلة، إنها مكلّفة على كل الأصعدة، لكنها ليست مثل كلفة الدماء التي هدرت في عشر سنوات تعيسة، تلك المرحلة التي على الجميع أن يخجلوا انهم ينتمون إليها منصباً أو فعلاً أو موقفاً أو اسماً.